ــ[209]ــ
فصل
في حكم دائم الحدث
المسلوس والمبطون إمّا أن يكـون لهما فترة تسع الصـلاة والطّـهارة ولو بالاقتصار على خصوص الواجبات وترك جميع المستحبّات أم لا ، وعلى الثاني إما أن يكون خروج الحدث في مقدار الصلاة مرّتين أو ثلاث مثلاً أو هو متّصـل ففي الصورة الاُولى يجب إتيان الصلاة في تلك الفترة سواء كانت في أوّل الوقت أو وسطه أو آخره (1) ، وإن لم تسع إلاّ لإتيان الواجبات اقتصر عليها وترك جميع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في حكم دائم الحدث
الصورة الاُولى :
(1) لأجل التحفظ على طائفتين من الأدلّة : إحداهما : الأدلّة الدالّة على اشتراط الصلاة بالطّهارة وأنه لا صلاة إلاّ بطهور . وثانيتهما : الأدلّة الدالّة على ناقضية البول والغائط ونحوهما للوضوء ، فلو صلّى في الفترة التي تسع الصلاة فقد جمع بين كلتا الطائفتين . وعن الأردبيلي (قدس سره) احتمال عدم الوجوب وجواز الصلاة في كل وقت أراده ولو مع الحدث (1) .
وهذا يبتني على أحد أمـرين : أحدهما : دعوى تخـصيص ما دلّ على اشتراط الصّلاة بالطّهارة بالمسلوس والمبطون ولو في مفروض كلامنا ، فلا يعتبر في صلاتهما الطّهارة حتى يجب عليهما إيقاعها في وقت الفترة من البول والغائط . وثانيهما : التزام التخصـيص في أدلّة ناقضية البول والغائط بالمسلوس والمبطون ولو في مفروض المسألة ، فالصلاة وإن كانت مشروطة بالطّهارة إلاّ أن طهارتهما باقية ولا ترتفع بالبول
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 112 .
ــ[210]ــ
والغائط تخصيصاً في أدلّة النواقض .
وكلا هذين الأمرين فاسد ولا يمكن الاعتماد على شيء منهما ، وليس هناك أمر ثالث .
أما دعوى الالتزام بالتخصيص في أدلّة اشتراط الصلاة بالطّهارة فلأنا لو التزمنا بذلك فجوزنا الصلاة في حقهما من غير طهارة لجازت لهما الصلاة مع إحداث غيرهما من الأحداث بالاختيار كإخراج الريح مثلاً ، لأن المحدث لا يحدث ثانياً والمفروض عدم اشتراط الطّهارة في صلاتيهما ، مع أنه مما لا يمكن الالتزام بصحّتها فيهما مع إخراج الريح أو غيرهما من الأحداث هذا . على أن المسلوس والمبطون غالباً يصدر منهما الحدثان في أثناء وضوئهما أو بعده وقبل الصلاة ، فلو التزمنا بالتخصيص في أدلّة الاشتراط مع القول بناقضيتهما في حقهما فما الموجب لاشتراط الوضوء في حقهما من الابتداء ؟ فلا يلزمهما الوضوء أصلاً . وهذا أيضاً كما ترى مما لا يمكن الالتزام به .
وأمّا الالتزام بالتخصيص في أدلّة الناقضية مع الالتزام ببقاء أدلّة الاشتراط بحالها فهو وإن كان أمراً معقولاً ، بل ونلتزم به في الصورتين الأخيرتين كما يأتي تفصيلهما إن شاء الله تعالى ، إلاّ أن الالتزام به في المقام وهو الصورة الاُولى من الصور الأربعة للمسألة يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه سوى دعوى شمول إطلاقات الأخبار الواردة في المسلوس والمبطون(1) للمقام ، وهي تدلّ على جواز إيقاع الصلاة لهما مع الحدث .
وفيه : أنه لا إطلاق لتلك الأخبار حسب الفهم العرفي ، لأن الصلاة مع الحدث في حقهما حسب ما نفهم من أدلّتها لدى العرف إنما هي صلاة عذريّة بدلاً عن الصلاة المأمور بها على وجه التمام ، نظير الوضوء مع الجبيرة لديه ، وهي إنما تصحّ مع معذوريّة المكلّف وعدم تمكّنه من الإتيان بالمأمور به الأوّلي فيقتصر على المأمور به الاضطراري ، وأمّا مع فرض تمكّنه من الواجب الأصلي فلا اضطرار له ، والصلاة مع الحدث ليست بعذريّة حينئذ فتبطل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 297 / أبواب نواقض الوضوء ب 19 .
ــ[211]ــ
المستحبّات ، فلو أتى بها في غير تلك الفترة بطلت (1) ، نعم لو اتفق عدم الخروج والسلامة إلى آخر الصلاة صحّت إذا حصل منه قصد القربة (2) . وإذا وجب المبادرة لكون الفترة في أوّل الوقت فأخر إلى الآخر عصى ، لكن صلاته صحيحة (3) . وأمّا الصورة الثانيـة (4) ـ وهي ما إذا لم تكن فترة واسعة إلاّ أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مضافاً إلى قوله (عليه السلام) في صحيحة منصور بن حازم من أنه «إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر» (1) لأنه كالصريح في أن صلاة المسلوس والمبطون عذرية ، ومع التمكّن من المأمور به كيف تكون صلاته مع الحدث عذرية ، فهي غير جائزة في حقه حتى تكون عذراً . وبالجملة : إن الأخبار لا إطلاق لها على نحو يشمل المقام ، فالصحيح ما أفاده الماتن كما عرفت وجهه .
(1) لعدم الأمر بها .
(2) كما إذا كانت الفترة في آخر الوقت وقد أتى بها في أوّل وقتها رجاء عدم خروج شيء من الحدثين ، أو باستصحاب عدم خروجهما إلى أن يتمّ الصلاة ، أو غفلة عن أنه يحدث . والوجه في صحّتها أن الصلاة لم يشترط فيها أن تقع في آخر الوقت مثلاً ، وإنما أوجبنا عليه إيقاعها في ذلك الوقت تحفظاً على شرطها وهو الطّهارة ، فإذا كانت حاصلة ولو في أوّل وقت الفريضة صحّت صلاته ، والمفروض حصول قصد القربة وغيره من شرائطها أيضاً .
(3) القاعدة وإن كانت تقتضي سقوط الأمر بالصلاة عنه لعدم تمكنه من شرطها إلاّ أنا لما علمنا بعدم سقوط الصلاة في حال من الأحوال كما يقتضيه الإجماع القطعي في المسألة فلا جرم أوجبنا عليه الصلاة مع ما هو عليه من الحدث بمقتضى إطلاقات أخبار المسألة ، لأنه مسلوس أو مبطون عاجز عن الصلاة مع الطّهارة .
الصورة الثانية
(4) وقد قسم الصورة الثانية وهي ما إذا لم يتمكن المكلّف من الصلاة مع الطّهارة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 297 / أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 2 .
|