ــ[194]ــ
يرجع إلى ذات الكسير لا هو بوصف كونه كسيراً .
ثمّ إن الصحيحة وإن لم تتضمن الأمر بالمسح على الجبيرة إلاّ أنا استفدنا ذلك من بقيّة الأخبار الآمرة بالمسح على الجبائر(1) . ثمّ إنها وإن كانت مختصّة بالوضوء إلاّ أنا نلحق الجبيرة في الغسل إلى الوضوء للقطع بعدم كفاية الغسل من دون غسل بعض المواضع ولا مسح ما هو كالمحل ، حيث إن الجبيرة غالباً بل دائماً تكون أوسع من الجراحة بمقدار فذلك المقدار الصحيح من أطراف الجراحة الذي تحت الجبيرة لا بدّ إما أن يغسل وإما أن يمسح الجبيرة الموضوعة عليه ، وحيث لا يجب عليه نزع الجبيرة وغسل ما تحته فلا مناص من أن يمسح على الجبيرة التي هي كالمحل .
فالمتحصل : أن الجرح أو القرح المجبور عند الاغتسال يغسل مع الجبيرة ويمسح عليها كما هو الحال في الوضوء . ويدلّ على ذلك صحيحة كليب الأسدي(2) حيث دلّت على أن الكسير يمسح على جبائره ، لعدم اختصاصها بالوضوء .
الجرح المكشوف
وأمّا الجرح المكشوف عند الاغتسال فلصحيحة عبدالله بن سنان «عن الجرح كيف يصنع به صاحبه ؟ قال (عليه السلام) : يغسل ما حوله»(3) لأنها غير مختصّة بالوضوء بل مطلقة تشمل كلاًّ من الوضوء والغسل ، وعليه فهما متحدان في الجرح المكشوف حيث يجب غسل ما حوله في كليهما هذا . إلاّ أن في قبالهما(4) عدّة كثيرة من الأخبار ، وقد دلّت على أن الجريح والقريح إذا أجنب يجب عليه التيمم فحسب .
منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب ، قال : لا بأس بأن لا يغتسل ، يتيمم» (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 463 / أبواب الوضوء ب 39 .
(2) الوسائل 1 : 465 / أبواب الوضوء ب 39 ح 8 .
(3) الوسائل 1 : 464 / أبواب الوضوء ب 39 ح 3 .
(4) لم يتقدّم منه إلاّ صحيحة واحدة فليلحظ .
(5) الوسائل 3 : 347 / أبواب التيمم ب 5 ح 5 .
ــ[195]ــ
ومنها : صحيحة البزنطي عن الرضا (عليه السلام) : «في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد ، فقال : لا يغتسل ويتيمم» (1) .
ومنها : غير ذلك من الأخبار(2) ، وهي معارضة مع الصحيحتين المتقدّمتين . وقد ذكر في الجمع بينهما وجوه لا بأس للتعرّض لبعضها :
فمنها : ما ذكره صاحب الحدائق (قدس سره) من حمل الصحيحتين المتقدّمتين على ما إذا كانت الجراحة واحدة وحمل الطائفة الثانية على صورة تعدّد الجراحة (3) ولعلّه لأن في الاغتسال مع الجراحة المتعدِّدة مشقّة نوعية .
ويبعده أن أكثر الأخبار في الطائفة الثانية وإن اشتملت على لفظة القروح والجروح بصيغة الجمع إلاّ أن الظاهر أنها بمعنى الجنس، حيث قد يستعمل الجمع ويراد منه الجنس كما في قوله (عليه السلام) : «عليه جبائر» مع أن وجود الجبيرة الواحدة كاف في إجراء حكم الجبيرة ، وإنما أتى بصيغة الجمع بلحاظ تعدد أفراد الجبائر أو القروح والجروح ، لأن الجبيرة قد تكون من الخشب واُخرى من الخرقة وهكذا هذا . على أن بعض أخبار الطائفة الثانية قد ورد بصيغة المفرد وأن الرجل يكون به القرح أو الجراحة كما في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدِّمة ، فهذا الجمع غير وجيه .
ومنها : ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره) واستحسنه جملة ممّن تأخّر عنه حيث حمل الطائفة الآمرة بالغسل مع الجبيرة على صورة عدم تضرّر المواضع الصحيحة من بدنه بالاغتسال والطائفة الثانية الدالّة على وجوب التيمم على صورة تضرر المواضع الصحيحة من بدنه بالماء ، للقطع بأن من تضرّر باستعمال الماء لا يجب عليه الاغتسال(4) هذا .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 347 / أبواب التيمم ب 5 ح 7 .
(2) كصحيحة داود بن سرحان المروية في الوسائل 3 : 348 / أبواب التيمم ب 5 ح 8 وغيرها من روايات الباب المذكور .
(3) الحدائق 2 : 386 .
(4) كتاب الطّهارة : 147 / السطر 7 .
ــ[196]ــ
ولا يمكن المساعدة على ذلك أيضاً ، لأنه ليس من الجمع العرفي بين المتعارضين وذلك لأن السؤال في الطائفة الآمرة بالتيمم إنما هو عن الجريح ومن به قرح أو جراحة لا عمن تضرر بدنه غير الجريح باستعمال الماء ، وظاهر الجواب حينئذ أن من لم يتمكن من استعمال الماء من جهة الجراحة في بدنه يتيمم لا أن من لم يتمكن من استعماله لأجل الحمى أو لتضرر المواضع السليمة من بدنه يجب عليه التيمم ، وهذا دقيق . ووجوب التيمم على من أضر به الماء وإن كان معلوماً عندنا إلاّ أنه لا يوجب تقييد الروايات بوجه ، لأنها ناظرة إلى بيان أن من تضرر لأجل الجرح وظيفته التيمّم ، ولا نظر لها إلى بيان حكم المتضرِّر من غير ناحية الجرح ، وحيث إن هذا الموضوع بعينه هو الذي دلّت الطائفة الاُولى على وجوب الغسل فيه فلا محالة تتعارضان ، ولا يكون حمل الثانية على صورة تضرر المواضع الصحيحة من الجمع العرفي في شيء .
فالإنصاف أن الطائفتين متنافيتان لوحدة المورد فيهما ، ومقتضى الجمع العرفي بينهما رفع اليد عن ظاهر كل منهما بنص الآخر ، حيث إن الطائفة الآمرة بالاغتسال ظاهرة في تعين الغسل وناصة في جوازه والطائفة الآمرة بالتيمم ظاهرة في تعين التيمم وناصة في جوازه ، فبنص كل منهما ترفع اليد عن ظاهر الآخر وتكون النتيجة ما ذكرناه من جواز كل من الغسل والتيمم وكون المكلّف مخيراً بينهما هذا ، بل يمكن استفادة ذلك من صريح صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة حيث نفت البأس عن تركه الاغتسال وقال إنه يتيمم ، وهي كالصريح في جواز كلا الأمرين في حقه ، بل وكذلك صحيحة البزنطي بحمل النهي فيها عن الاغتسال على النهي في موارد توهم الأمر وهو يفيد الإباحة والجواز . هذا كله في حق الجريح والقريح عند الاغتسال .
وأمّا الكسير فقد وردت فيه روايات أربع :
منها : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «يتيمم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته جنابة» (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 347 / أبواب التيمم ب 5 ح 4 .
ــ[197]ــ
ومنها : مرسلة ثانية له عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة» (1) .
ومنها : مرسلة الصدوق ، قال وقال الصادق (عليه السلام) : «المبطون والكسير يؤممان ولا يغسلان» (2) .
ومنها : مرسـلة الكـافي ، قال : وروي ذلك في الكسـير والمبـطون يتيمم ولا يغتسل (3) .
وهذه الأخبار تدلّنا على أن الكسير يتيمم ولا يجوز في حقه الاغتسال . إلاّ أنها لإرسالها لا يمكننا الاعتماد عليها ، نعم يكفي في الحكم بوجوب التيمم في حقه المطلقات الآمرة بالتيمم لمن عجز من استعمال الماء ، وهو الأصل الأوّلي في كل من لم يتمكّن من استعمال الماء ، فإن مقتضاها أن الكسير المجنب يتيمم ولا يغتسل .
وأمّا الأخبار الواردة في الجبيرة فقد دلّت صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج على أن الكسير يغتسل أو يتوضأ حيث قال (عليه السلام) : «يغسل ما وصل إليه الغسل ويدع ما سوى ذلك»(4) ومقتضاها أن الكسير لا يجوز أن يتيمم بل يغتسل مع الجبيرة ، وهي وإن لم تشتمل على الأمر بالمسح على الجبيرة إلاّ أنا علمنا من الخارج أن الشارع لم يرفع يده من غسل البشرة أو مسح ما هو بدل عن البشرة ، وبما أن الجبيرة تسع مقداراً من الأطراف الصحيحة ولا تكون بمقدار المحل ، بل لو وجدت بمقداره في الجراحة والقرحة فلا يتحقق في الكسر أبداً ، لأنه لا بدّ أن يشد بالأطراف الصحيحة أيضاً حتى ينجبر ، وهذا المقدار الصحيح الذي هو تحت الجبيرة لا يجب غسله لعدم وجوب نزع الجبيرة فلا مناص من أن يمسح على الجبيرة التي فوقه .
فبهذه الصحيحة نحكم بوجوب الاغتسال على الكسير مع المسح على الجبيرة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 348 / أبواب التيمم ب 5 ح 10 .
(2) الوسائل 3 : 348 / أبواب التيمم ب 5 ح 12 ، الفقيه 1 : 59 / 217 .
(3) الوسائل 3 : 346 / أبواب التيمم ب 5 ح 2 ، الكافي 3 : 68 / 5 .
(4) الوسائل 1 : 463 / أبواب الوضوء ب 39 ح 1 ، وقد تقدّمت بتمامها في ص 193 .
|