ــ[184]ــ
[ 615 ] مسألة 21 : قد عرفت أنه يكفي في الغسل أقله بأن يجري الماء من جزء إلى جزء آخر ولو بإعانة اليد ، فلو وضع يده في الماء وأخرجها ومسح بما يبقى فيها من الرطوبة محل الغسل يكفي ، وفي كثير من الموارد هذا المقدار لا يضرّ خصوصاً إذا كان بالماء الحار وإذا أجرى الماء كثيراً يضر ، فيتعيّن هذا النحو من الغسل ولا يجوز الانتقال إلى حكم الجبيرة فاللاّزم أن يكون الإنسان ملتفتاً لهذه الدقّة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل المسح برطوبة اليد يجزئ عن الغسل ؟
(1) أقل الغسل وهو انتقال جزء من الماء من جزء إلى جزء وإن كان مجزئاً لا محالة إلاّ أن الغسل على النحو المقرر في المتن لا يخلو من إشكال ومنع ، وذلك لما قدّمناه غير مرّة من أن الأمر بالغسل ظاهر في لزوم إحداث الغسل ، وأما الغسل بحسب البقاء فهو غير كاف في الامتثال ، والمكلّف إذا وضع يده في الماء وبذلك قد أحدث الغسل في يده ثمّ مسح برطوبتها وجهه أو غيره من مواضع الكسر مثلاً ، فلا محالة يكون المسح برطوبتها إبقاء للغسل الحادث في يده وإحداثاً للمسح في وجهه . ولا يطلق على إمرار يده على وجهه عنوان الغسل في شيء من اللغات ، بل يقال إنه مسح وجهه ، مع أن المأمور به هو الغسل دون المسح .
وتوضيح ما ذكرناه : أ نّا تعرّضنا ـ تبعاً للماتن ـ لأقل الغسل في بحث غسل الوجه من الوضوء وقلنا إنه عبارة عن جريان الماء من جزء إلى جزء إمّا بنفسه أو بواسطة اليد ونحوها (1) . كما قلنا إن النسبة بينه وبين المسح عموم من وجه ، فإن المسح عبارة عن مرور الماسح على الممسوح برطوبة ونداوة ، وهما أمران متقابلان في الوضـوء ومن هنا جعله الله سبحانه في مقابل الغسل في الآية المباركة (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 5 : 48 .
ــ[185]ــ
[ 616 ] مسألة 22 : إذا كان على الجبيرة دسومة لا يضرّ بالمسح عليها إن كانت طاهرة (1) .
[ 617 ] مسألة 23 : إذا كان العضو صحيحاً لكن كان نجساً ولم يمكن تطهيره لا يجري عليه حكم الجرح ، بل يتعيّن التيمم (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم )(1) إلخ فلا يجزئ أحدهما عن الآخر بوجه .
وعليه فاذا أدخل يده في الماء ثمّ أخرجها فلا يكون المسح بها على وجهه غسلاً وذلك لأن مفروض كلام الماتن أنه يمسح برطوبة يده على وجهه ، والمسح مع النداوة والرطوبة مصداق للمسح ولا يطلق عليه الغسل في لغة العرب ولا في غيرها من اللّغات ، فإنّ المسح بالنداوة لا يكون إجراء للماء من جزء إلى جزء في شيء من اللّغات ، وإذا كان المأمور به هو الغسل فلا يكون المسح بدلاً عنه كافياً في الامتثـال كما ذكرنا نظيره عند تعرّض الماتن لجواز غسل الجبيرة الواقعة في مواضع الغسل ومسحها وقلنا إنّ المأمور به هو المسح والغسل لا يجزئ عنه بوجه (2) .
إذا كان على الجبيرة دسومة
(1) سواء كانت الدسومة قليلة ومعدودة من الأعراض أم كانت كثيرة ومعدودة من الجواهر ، وذلك لإطلاقات الأخبار الآمرة بالمسح على جبائره ، إلاّ أن تعرض الدسومة ـ بفرض غير واقع ـ على نحو لا يؤثر المسح فيها أبداً ، فإنّ المسح غير المؤثر لا يُكتفى به في مقام الامتثال ، حيث إنّ ظاهر المسح تأثر الممسوح بذلك .
العضو السّليم إذا لم يمكن تطهيره
(2) والوجه فيه ظاهر ، لأنّ أخبار الجبائر مختصّة بالجريح والكسير والقريح ، وأما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة 5 : 6 .
(2) في ص 157 .
ــ[186]ــ
نعم لو كان عين النجاسة لاصقة به ولم يمكن إزالتها جرى حكم الجبيرة ((1)) (1) والأحوط ضم التيمم .
[ 618 ] مسألة 24 : لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على المتعارَف (2) كما أنه لا يجوز وضع شيء آخر عليها مع عدم الحاجة إلاّ أن يحسب جزءاً منها بعد الوضع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السّليم فهو خارج عن الأخبار وإن فرضنا عدم تمكنه من غسل بشرته أو مسحها لعدم تمكّنه من غسلها لقلّة الماء أو غيرها من الأسباب ، ومع عدم شمول الأخبار له ينتقل أمره إلى التيمم كما هو الأصل في كل من لم يتمكن من الوضوء .
(1) وفيه : أنّ اللاّصق بالبدن سواء كان من الأعيان النجسة أم من الأعيان الطاهرة لا يجري عليه أحكام الجبائر ، كما عرفته في القير اللاّصق بالبدن لاختصاصها بالكسير والجريح والقريح ، ومع سلامة العضو لا تشمله الأخبار فتنتقل وظيفته إلى التيمم لا محالة ، نعم خرجنا عن ذلك في الدواء اللاصق بالبدن بمقتضى صحيحة الوشّاء(2) فإنّ حكمه حكم الجبيرة كما مرّ ، وأمّا غيره فلا دليل على التحاقه بالجبائر ، على أنّ وضع خرقة اُخرى طاهرة عليه أمر لا دليل على وجوبه .
تخفيف الجبيرة غير واجب
(2) فلا يجب تخفيف الضخمة وجعلها رقيقة أو بتبديلها بالرقيق ، وذلك لإطلاقات الأخبار الآمرة بالمسح على الجبائر ، فكل ما صدق عرفاً أنه جبيرة كفى المسح عليها في مقام الامتثال إلاّ أن يخرج عن الجبيرة عند المتعارف ، كما إذا شدّ على جبيرته منديلاً ومسح على المنديل فإنّ المنديل لا يسمّى جبيرة حينئذ .
فالمراد من قوله : (إن كانت على المتعارف) هو كون الحـائل جبيرة عند العرف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل ينتقل الأمر إلى التيمم .
(2) تقدّم ذكرها في مسألة 20 .
ــ[187]ــ
[ 619 ] مسألة 25 : الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث لا مبيح (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكل ما صدق أنه جبيرة كفى مسحها عن غسل البشرة ومسحها ، ولم يرد بذلك كون الجبيرة متعارفة بحسب الغلظة والرقة ، لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والموارد فقد يجبر بالكرباس واُخرى بالفاسون وثالثة بشيء آخر خفيف أو غليظ . ومن ذلك يظهر حكم ما إذا وضع على الجبيرة شيئاً وأراد المسح عليه فإنه إن عدّ عند العرف جزءاً من الجبيرة فلا محالة يكفي المسح عليه في مقام الامتثال ، وإذا عدّ شيئاً زائداً عليها فلا يكفي كما عرفت .
الوضوء مع الجبيرة رافع
(1) إن أراد القائل بكونه مبيحاً أن المتوضئ مع الجبيرة باق على حدثه وليس متطهراً بوجه إلاّ أنه جاز أن يدخل في الصلاة أو في غيرها مما يشترط فيه الطّهارة تخصيصاً فيما دلّ على اشتراط الصلاة أو غيرها من الأفعال بالطّهارة ، فهو ممّا لا يحتمل بوجه ، فإن الأخبار الواردة في الجبائر قد اشتملت على السؤال عن الوضوء والغسل وأنّ الجريح أو الكسير ما يصنع بوضوئه فأجابوا بأنه يمسح على الجبيرة ، وظاهرها أنّ السؤال إنما هو عن ذلك الوضوء أو الغسل الذي اشترطت الصلاة به وأنه هو الوضوء مع الجبيرة في حقه ، لا أنّ المراد منها أمر آخر غير ما هو الشرط في الصلاة فلا يمكن القول بأن المتوضئ مع الجبيرة غير متطهر بوجه .
كما أنّ القائل بكونه رافعاً إن أراد أن الوضوء مع الجبيرة كالوضوء التام وهما فردان اختياريان من الطبيعي المأمور به وأحدهما في عرض الآخر ، فكما أنّ المكلّف يتمكّن من أن يأتي بالوضوء التام يتمكّن من الوضوء مع الجبيرة بادخال نفسه في موضوعه بالاختيار ، نظير الصلاة المقصورة والتامّة حيث إنهما فردان اختياريان من طبيعي الصلاة المأمور بها وأحدهما في عرض الآخر ، وللمكلّف أن يختار أيّاً منهما شاء بإدخال نفسه في موضوع المسافر . فهو أيضاً غير محتمل بوجه ، لأنّ الأخبار الواردة في الجبائر كالأدلّة الدالّة على كفاية التيمم في حق فاقد الماء إنما تدلّنا على أنّ
ــ[188]ــ
الوضوء مع الجبيرة أو التيمم وظيفة المعذور عن الوضوء التام بحيث لا يتمكن من إتيانه ، وأما من كان متمكناً من الوضوء التام ثمّ أدخل نفسه في ذوي الأعذار فهو خارج عن مصب الأخبار رأساً . وعليه فالقول الوسط بين هذين القولين أن يقال : إن الوضوء مع الجبيرة كالتيمم طهارة حقيقية ولكنها في طول الطّهارة بالوضوء التام بمعنى أنهما في حق المعذور يقابلان الوضوء والوضوء التام في حق الواجد وغير المعذور ، فهما طهارتان في ظرف المعذورية لا في عرض الوضوء والوضوء التام .
ولا يرد على ذلك أن لازمه جواز التفويت الاختياري باراقة الماء بعد الوقت وجعل نفسه فاقداً للماء بالاختيار أو بايجاد كسر أو قرح في بدنه اختياراً ، فإنه بعد إدخال نفسه تحت عنوان الفاقد أو الجريح والكسير يكون التيمم أو الوضوء مع الجبيرة طهارة حقيقية في حقه ، ورافعة كالوضوء والوضوء التام في حق الواجد وغير الجريح والكسير .
والوجه في عدم ورود ذلك على ما ذكرناه هو أن مقتضى ما قدّمناه من اختصاص أدلّة التيمم والوضوء مع الجبيرة للمعذور غير المتمكن من الوضوء المأمور به عدم وجوب الصلاة على من فوّت على نفسه وأراق الماء أو جرح نفسه ، وذلك لعدم كونه معذوراً غير متمكن من الوضوء المأمور به ، لأنه كان متمكناً منه على الفرض وقد أدخل نفسه في موضع الفاقد أو العاجز بالاختيار ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فلا طهارة في حقّه والصلاة ساقطة بالإضافة إليه ويعاقب من جهة تفويته الاختياري ، ولكن الإجماع القطعي دلّنا على أن الصلاة لا تسقط بحال فمنه استكشفنا أن وظيفته بعد تفويته هي الصلاة مع التيمم أو الوضوء مع الجبيرة ، فهما طهارتان حقيقيتان في حقّه وليستا في عرض الوضوء التام بل في طوله . على أنهما في حق المعذور بالاختيار لا يقابلان الوضوء التام للصحيح ، بل يصح أن يقال إنهما طهارتان في مرتبة نازلة من الوضوء التام ، لعدم كونهما وافيين بالملاك مثل الوضوء التام ، كما أنه يعاقب من تلك الناحية أي من ناحية تفويته مقداراً من المصلحة حيث عجز نفسه عن الإتيان بالوضوء التام واستيفاء ملاكه ، ويحكم بصحّتهما للإجماع الكاشف عن اشتمالهما على مقدار من المصلحة لازم الاستيفاء حينئذ .
|