[ 589 ] مسألة 50 : إذا شك في وجود الحاجب وعدمه (1) قبل الوضوء أو في الأثناء وجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه ((1)) إن لم يكن مسبوقاً بالوجود ، وإلاّ وجب تحصيل اليقين ولا يكفي الظن ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقِّه ، بل مقتضى الاستصحاب وأصالة الاشتغال وجوب الإعادة .
والعجب من الماتن (قدس سره) أنه كيف صرح بعدم جريان القاعدة في هذه الصورة وصرح بجريانها في المسألة السابقة ، مع أنه لا وجه للمنع عن جريانها في المقام إلاّ اختصاصها بموارد احتمل فيها الترك غفلة أو نسياناً ومعه لا بدّ من المنع في المسألة المتقدّمة أيضاً ، لعدم كون الشك فيها راجعاً إلى عمله غفلة أو نسياناً ، اللّهمّ إلاّ أن يقال إنه (قدس سره) يرى اختصاص القاعدة بموارد احتمال الغفلة والنسيان إلاّ أنه أعم من احتمال نسيان جزء أو شرط أو نسيان الحكم .
الشكّ في وجود الحاجب
(1) تقدّمت هذه المسألة مفصّلاً وبيّنا أن الوجه في وجوب تحصيل اليقين أو الاطمئنان بعدم الحاجب هو عدم جريان الاستصحاب في نفي الحاجب وعدمه ، لأنه مما لا أثر شرعي له ، إذ الأثر مرتب على وصول الماء إلى البشرة ، كما أن دعوى السيرة على عدم الاعتناء بالشك في الحاجب غير مسموعة لعدم ثبوت السيرة على ذلك أوّلاً ، وعلى تقدير تسليمها لم نحرز اتصالها بزمانهم (عليهم السلام) لاحتمال أنها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرّ أنه لا اعتبار بالظن ما لم يصل إلى مرتبة الاطمئنان ، ومعه لا فرق في اعتباره بين كون الشيء مسبوقاً بالوجود وعدمه .
ــ[132]ــ
نشأت عن فتوى بعض العلماء(1) . إلاّ أنه (قدس سره) إنما كرّرها في المقام لما فيها من الخصوصية الزائدة ، وهي أنه فصّل بين ما إذا احتمل وجود الحاجب وكان له حالة سابقة وجودية فحكم حينئذ بوجوب تحصيل اليقين أو الاطمئنان بعدمه ، وما إذا احتمل وجوده ولم تكن له حالة سابقة وجودية كما إذا احتمل إصابة قطرة من القير لمواضع غسله أو وضوئه فحكم حينئذ بكفاية كل من اليقين والاطمئنان بالعدم والظن به .
وهذه التفرقة مبنيّة على دعوى تحقق السيرة المتشرعية على عدم الاعتناء باحتمال وجود الحاجب فيما إذا لم يكن مسبوقاً بالوجود وقد ظنّ عدمه ، ولا وجه لها غيرها لأن الاستصحاب غير معتبر عنده (قدس سره) وإلاّ لجرى استصحاب عدمه حتى فيما لم يظن بعدمه ، وحينئذ يتوجه عليه أن السيرة غير محرزة ، وعلى تقدير تسليمها لم نحرز اتصالها بزمان المعصومين (عليهم السلام) فالصورتان سواء فيما ذكرناه .
ويدلّ على ذلك مضافاً إلى الاستصحاب المقتضي للحكم بعدم وصول الماء إلى البشرة وقاعدة الاشتغال الحاكمة بعدم سقوط التكليف بالوضوء صحيحة علي بن جعفر الدالّة على أن المرأة لا بدّ من أن تحرك الدملج وأسوارها حتى تتيقن بوصول الماء تحتهما (2) وإن كان موردها الشك في حاجبية الموجود دون الشك في وجود الحاجب إلاّ أنك عرفت عدم الفرق بين الصورتين .
وقد بيّنا سابقاً في مسائل الشك في الحاجب أن ما ورد في ذيل الصحيحة من السؤال عن حكم الخاتم الضيّق وقوله (عليه السلام) : إن علم بعدم وصول الماء تحته فلينزعه ، غير معارض لصدرها نظراً إلى أن مفهوم الذيل أنه إذا لم يعلم بالحاجبية وشك فيها لم يجب عليه النزع وتحصيل اليقين بالوصول ، وذلك لأن حكم الشك في الحاجبية قد ظهر من صدر الصحيحة ، حيث دلّ على وجوب تحصيل اليقين بوصول
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 5 : 72 .
(2) الوسائل 1 : 467 / أبواب الوضوء ب 41 ح 1 . وتقدّم ذكرها في مبحث الشك في الحاجب في مسائل الوضوء ، شرح العروة 5 : 70 .
ــ[133]ــ
وإن شكّ بعد الفراغ في أنه كان موجوداً (1) أم لا بنى على عدمه ((1)) ويصح وضوءه ، وكذا إذا تيقّن أنه كان موجوداً وشكّ في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا (2) ، نعم الحاجب الذي قد يصل الماء تحته وقد لا يصل إذا علم أنه لم يكن ملتفتاً إليه حين الغسل ولكن شك في أنه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة ((2))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الماء تحت الدملج والسوار علم حاجبيتهما أم كانت مشكوكة ، ومعه لا بدّ من حمل الذيل على إرادة علم المكلّف بعدم وصول الماء تحت الخاتم مع تحريكه لأنه ضيق كما في الرواية ، وحينئذ حكم بوجوب نزعه حتى يصل الماء تحته ، وذلك لئلا يلزم التكرار في الرواية ، فلا دلالة في ذيلها على عدم وجوب الفحص عند عدم العلم بالحاجبية . هذا كلّه فيما إذا شك في الحاجب في أثناء الوضوء .
الشكّ في الحاجب بعد الفراغ
(1) بنى على عدمه لقاعدة الفراغ فيما إذا احتمل من نفسه التفاته إلى شرائط الوضوء التي منها عدم الحاجب في أثناء وضوئه وإحرازه .
الشكّ في إزالة الحاجب
(2) أيضاً لقاعدة الفراغ إذا احتمل من نفسه الالتفات وإحراز الشروط بلا فرق في ذلك بين كونه معلوم الحاجبية على تقدير عدم إزالته وكونه محتمل الحاجبية ، وأما إذا علم بغفلته عن اشتراط عدم الحاجب في الوضوء فجريان القاعدة حينئذ وعدمه مبنيان على النزاع في أن معتبرة بكير بن أعين المشتملة على قوله (عليه السلام) : لأنه حينما يتوضأ أذكر منه حينما يشك (3) وما ورد في الصلاة من أنه حينما يصلّي كان أقرب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا مع احتمال الالتفات حال العمل وإلاّ فلا تجري القاعدة .
(2) بل الظاهر وجوبها فيه وفي نظائره الآتية .
(3) الوسائل 1 : 471 / أبواب الوضوء ب 42 ح 7 .
ــ[134]ــ
إلى الحق منه بعده (1) هل هما تعليلان ومقيّدتان لإطلاقات الأخبار حتى يختص جريان القاعدة بما إذا احتمل من نفسه الذكر والالتفات إلى الشرائط والأجزاء حال الوضوء ولكنه يشك ويحتمل غفلته عن بعضها أو نسيانها ، فلا تجري مع العلم بالغفلة حال الامتثال وانحفاظ صورة العمل عنده وإنما يحتمل صحّة عمله من باب المصادفة الاتفاقية .
أو أنهما كالحكمة للقاعدة نظير سائر الحِكَم المذكورة في الروايات ، نظير التحفّظ على عدم اختلاط المياه في تشريع العدّة مع أنها واجبة في مورد العلم بعدم اختلاط المياه ، وكنظافة البدن التي هي حكمة في استحباب غسل الجمعة مع ثبوت استحبابه حتى مع نظافة البدن . وعليه فيصح التمسّك باطلاق الروايات في جميع موارد الشك في الصحّة حتى الشك في متعلق الأمر ولو مع العلم بالغفلة حال العمل إلاّ في صورة الشكّ في وجود الأمر كما إذا شك في دخول الوقت بعد الصلاة ، إذ مع عدم إحراز الأمر لا معنى للصحّة والفساد لأنهما عبارتان عن مطابقة المأتي به للمأمور به ومخالفته إذن الإطلاقات باقية بحالها فتجري القاعدة مع العلم بالغفلة أيضاً كما ذهب إليه بعضهم . وقد ذكرنا في محلِّه أنهما تعليلان ولا مناص من تقييدهما للمطلقات (2) ، ومعه تختص القاعدة بما إذا احتمل الالتفات حال العمل .
وأمّا موثقة الحسين بن أبي العلاء المشتملة على أمره (عليه السلام) بتحويل الخاتم في الغسل وبإدارته في الوضوء وقوله (عليه السلام) : «فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة» (3) حيث يقال ـ كما قيل ـ من أنها تدل على جريان قاعدة الفراغ مع العلم بالغفلة والنسيان في حال العمل ، لقوله (عليه السلام) : فإن نسيت ـ أي التحويل أو الإدارة في الغسل والوضوء ـ لا آمرك باعادة الصلاة . فيدفعه أن الاستدلال بالموثقة مبني على أن تكون ناظرة إلى صورة الشك في وصول الماء تحت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 246 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 27 ح 3 .
(2) مصباح الاُصول 3 : 306 .
(3) الوسائل 1 : 468 / أبواب الوضوء ب 41 ح 2 .
|