[ 456 ] مسألة 6 : إذا شك من لم يستبرئ في خروج الرطوبة وعدمه بنى على عدمه (2) ولو كان ظانّاً بالخروج ، كما إذا رأى في ثوبه رطوبة وشك في أنها خرجت منه أو وقعت عليه من الخارج .
[ 457 ] مسألة 7 : إذا علم أن الخارج منه مذي ، ولكن شك في أنه هل خرج معه بول أم لا ، لا يحكم عليه بالنجاسة ، إلاّ أن يصدق عليه الرطوبة المشتبهة بأن يكون الشك في أن هذا الموجود هل هو بتمامه مذي أو مركب منه ومن البول (3).
[ 458 ] مسألة 8 : إذا بال ولم يستبرئ ، ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة بين
ـــــــــــــــــــــ (2) لأن الأخبار المتقدِّمة إنما وردت لبيان حكم الشك في صفة البلل بعد العلم بوجوده وخروجه ، بأن يشك في أنه بول أو مذي ، فالشك في أصل وجوده وأنه هل خرج منه البلل أم لم يخرج خارج عن محطها ، وأصالة العدم تقتضي الحكم بعدمه .
(3) هذا على قسمين :
لأنه قد يقطع بأن ما يراه من الرطوبة المشتبهة مذي مثلاً ، ولكنه يشك في أنه خرج معه بول أيضاً أم لا ، وهذا مورد لأصالة عدم الخروج ، لأنه من الشك في وجود البلل وخروجه ، وقد تقدم أن مورد الأخبار هو الشك في صفة الخارج لا الشك في الخروج .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 237 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 3 .
ــ[403]ــ
البول والمني (1) يحكم عليها بأنها بول ، فلا يجب عليه الغسل ((1)) ، بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء ، فانّه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل عملاً بالعلم الاجمالي ، هذا إذا كان ذلك بعد أن توضأ ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد يقطع بأن البلل الخارج منه مقدار منه كنصفه مذي مثلاً ، ولا يدري أن النصف الآخر منه أيضاً مذي أو بول وهو مشمول للأخبار ، لأنه من الشك في صفة الخارج بالاضافة إلى النصف المشكوك كونه بولاً أو مذياً وليس من الشك في الخروج.
(1) بأن علم أنها نجسة وشك في أنها هل توجب الوضوء أو أنها مني توجب الغسل ، قد حكم الماتن (قدس سره) بوجوب الوضوء حينئذ ، كما حكم بالاحتياط والجمع بين الوضوء والغسل فيما إذا خرجت بعد الاستبراء من البول .
واُورد على ذلك بأن مورد الأخبار الواردة في المقام إنما هو البلل المردد بين البول وغير المني كالمذي ، بحيث لو كان خرج قبل الاستبراء حكم ببوليته وناقضيته ، ولو خرج بعده حكم بطهارته وكونه من الحبائل ، وأما البلل المردد بين البول والمني فالأخبار غير شاملة له ، ومقتضى العلم الاجمالي في مثله هو الجمع بين الوضوء والغسل هذا ، على أ نّا لو قلنا بشمول الأخبار للبلل المردد بينهما فمقتضاه الحكم بكونه منياً فيما إذا خرج بعد الاستبراء من البول ، وذلك لما تقدم من أن الروايات المتقدِّمة قد دلت على أن البلل الخارج بعد الاستبراء من البول ليس ببول ، وإذا نفينا بوليته ثبت لازمه وهو كونه منياً في المقام ، والماتن لا يرضى بذلك ومن ثمة حكم بوجوب الجمع بين الوضوء والغسل حينئذ ، هذا .
والصحيح ما أفاده الماتن (قدس سره) وذلك لأن صحيحة محمد بن مسلم وموثقة سماعة المتقدِّمتين (2) الدالتين على أن الجنب إذا بال وخرجت منه رطوبة مشتبهة وجب عليه الوضوء والاستنجاء دون الاغتسال لأن البول لم يدع شيئاً ، بعد تقييدهما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا إذا لم يكن متوضئاً وإلاّ وجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل على الأحوط .
(2) في ص 395 .
ــ[404]ــ
بغير صورة الاستبراء من البول ، للأخبار الدالّة على أن البلل بعد الاستبراء لا يوجب الوضوء وأنه من الحبائل ، تدلنا على أن احتمال كون البلل المردد بين البول والمني من المني المتخلف في الطريق ساقط لا يعبأ به ، لأن البول لم يدع شيئاً فهو مقطوع العـدم كما أن احتمال كونه منياً نزل من محله أو بولاً كذلك مورد لأصالة العدم ، نعم لا دافع لاحتمال كونه من البول المتخلف في الطريق ، ومن ثمة حكم في الروايتين بوجوب الوضوء والاستنجاء ، هذا فيما إذا كان المكلف جنباً وقد بال .
ومن ذلك يظهر الحال فيما إذا لم يكن جنباً وذلك لأنه لا خصوصية للجنابة فيما يستفاد من الروايتين ، فلنفرض أن المكلف لم يجنب قبل ذلك ولم يخرج منه المني حتى يحتمل أن يكون البلل الخارج منه منياً متخلفاً في الطريق وإنما بال ـ كما هو مفروض الماتن (قدس سره) ـ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة ، فان احتمال كونه بولاً أو منياً نزلا من محلهما مندفع بأصالة العدم ، واحتمال كونه بولاً متخلفاً لا دافع له ، فالرطوبة محكومة بالبولية والناقضية فلا يجب عليه إلاّ الوضوء .
فاذ قد عرفت ذلك ، ظهر لك أن ما ذكره الماتن هو الصحيح ، فان من بال ولم يستبرئ بالخرطات وخرجت منه الرطوبة المرددة بين البول والمني لم يحتمل في حقه أن تكون الرطوبة منياً تخلف في الطريق لعدم سبقه بالجنابة ، أو لو كان جنباً قبل ذلك فالبول لم يدع شيئاً في الطريق ، وأما احتمال أنها مني أو بول نزلا من محلهما فهو مندفع بأصالة العدم ولا يعتنى به بوجه . نعم احتمال أنه بول متخلف في الطريق مما لا دافع له ، لأنه لم يستبرئ على الفرض ، فالرطوبة الخارجة محكومة بالبولية والناقضية ولا يجب على المكلف سوى الوضوء كما في المتن .
وأما إذا استبرأ بالخرطات ، فكما لا يحتمل أن تكون الرطوبة منياً متخلفاً في الطريق كذلك لا يحتمل أن يكون بولاً متخلفاً لمكان الخرطات ، فيبقى احتمال كونها منياً أو بولاً نزلا من محلهما ، وكل من هذين الاحتمالين في نفسه وإن كان مورداً للأصل إلاّ أن دوران الأمر بينهما والعلم الاجمالي بأنه بول أو مني يمنع عن جريان الأصل في أطرافه ، ومعه لا مناص من الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء كما ذكره الماتن
ــ[405]ــ
وأما إذا خرجت منه قبل أن يتوضأ فلا يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء لأن الحدث الأصغر معلوم ووجود موجب الغسل غير معلوم ، فمقتضى الاستصحاب وجوب الوضوء وعدم وجوب الغسل (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(قدس سره) هذا فيما إذا كان المكلف متوضئاً بعد الاستبراء بمكان من الوضوح ، وأما إذا خرجت منه الرطوبة قبل أن يتوضأ فستسمع الكلام عليه في التعليقة الآتية إن شاء الله .
(1) قد يقال إن المقام من موارد استصحاب كلي الحدث ، وهو من استصحاب القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي ، بناء على أن الحدث الأكبر والأصغر متضادان بحيث لو طرأ أحد أسباب الأكبر ارتفع الأصغر وثبت الأكبر مكانه ، وذلك لأن الحدث بعد ما توضأ المكلف في مفروض المسألة مردد بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ، لأن الرطوبة المرددة على تقدير أن تكون بولاً واقعاً فالحدث مقطوع الارتفاع ، وعلى تقدير أن تكون منياً كذلك فهو مقطوع البقاء ومقتضى استصحاب الحدث الجامع بينهما المتيقن وجوده قبل الوضوء بقاء الحدث ومعه يجب عليه الغسل بعد الوضوء حتى يقطع بارتفاع حدثه الثابت بالاستصحاب .
نعم ، إذا بنينا على أن الحدث الأكبر والأصغر فردان من الحدث وهما قابلان للاجتماع ، أو أن الأكبر مرتبة قوية من الحدث وإذا طرأت أسبابه تبدلت المرتبة الضعيفة بالقوية لم يجر استصحاب كلي الحدث ، لأنه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، إذ المكلف بعد خروج البلل يشك في أن الحدث الأصغر هل قارنه الأكبر أو تبدل إلى مرتبة قوية أو أنه باق بحاله ، ومقتضى الأصل حينئذ أن الأصغر لم يحدث معه فرد آخر وأنه باق بحاله ولم يتبدل إلى مرتبة قوية ، ومعه لا يجب عليه الغسل بعد الوضوء ، هذا .
والصحيح ما أفاده الماتن (قدس سره) وذلك لما ذكرناه في محله من أن الاستصحاب إنما يجري في الكلي الجامع إذا لم يكن هناك أصل حاكم عليه كما إذا لم يكن المكلف متوضئاً في مفروض الكلام ، وأما معه فلا مجال لاستصحاب الجامع
ــ[406]ــ
لتعيّن الفرد الحادث والعلم بأنه من أي القبيلين تعبداً ، وتوضيح الكلام في كبرى المسألة وتطبيقها على المقام :
أن المستفاد من قوله عزّ من قائل : (إِذا قمتم إِلى الصَّلاة فاغسلُوا وُجُوهكُم .... وَإِن كُنْتُم جُنباً فاطّهّروا ) (1) أن الوضوء إنما هو وظيفة غير الجنب ، لأنه مقتضى التفصيل الوارد في الآية المباركة ، وكذا الحال في الأخبار لما ورد من أن غسل الجنابة ليس قبله ولا بعده وضوء (2) فعلمنا من ذلك أن الأدلّة القائمة على وجوب الوضوء للمحدث مقيدة بغير الجنب ، لأن غسل الجنابة لا يبقي مجالاً للوضوء ، وحيث إن المكلف في مفروض المسألة لم يكن متوضئاً قبل خروج الرطوبة المشتبهة وهو شاك في جنابته لاحتمال أن تكون الرطوبة بولاً واقعاً ، فمقتضى الاستصحاب عدم جنابته فهو محدث بالوجدان وليس جنباً بالاستصحاب فيحكم عليه بوجوب الوضوء لتحقق موضوعه بضم الوجدان إلى الأصل ، ومع استصحاب عدم الجنابة لا مجال لاستصحاب كلي الحدث لأنه أصل حاكم رافع للتردد والشك ، فان مقتضاه أن المكلف لم يجنب بخروج البلل وأن حدثه الأصغر باق بحاله .
بل يمكن أن يقال إن الرطوبة المشتبهة ليست بمني ، وذلك ببركة الاستصحاب الجاري في الأعدام الأزلية ، ولا يعارضه استصحاب عدم كونها بولاً ، إذ المكلف محدث بالأصغر على الفرض ولا أثر للبول بعد الحدث حتى ينفى كونها بولاً ، ولا يفرق الحال فيما ذكرناه بين أن يكون الأكبر والأصغر متضادّين أو قلنا إنهما قابلين للاجتماع ، أو أن الأكبر مرتبة قوية من الحدث والأصغر مرتبة ضعيفة ، وذلك لأن مقتضى الأصل عدم حدوث الجنابة وعدم اقتران الحدث الأصغر بالأكبر وعدم تبدله إلى المرتبة القوية من الحدث .
فما أفاده الماتن (قدس سره) من أن المكلف إذا لم يكن متوضئاً وخرجت منه الرطوبة المشتبهة ، لم يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء وعدم وجوب الجمع بينه وبين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة 5 : 6 .
(2) الوسائل 2 : 246 / أبواب الجنابة ب 34 ح 2 وغيره .
|