10 ـ زوال العين \ حول طهارة بدن وسؤر الحيوان 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9161


ــ[216]ــ

   العاشر من المطهرات : زوال عين النجاسة أو المتنجِّس عن جسد الحيوان غير الانسان بأيّ وجه كان ، سواء كان بمزيل، أو من قبل نفسه ، فمنقار الدجاجة إذا تلوث بالعذرة يطهر بزوال عينها وجفاف رطوبتها ، وكذا ظهر الدابة المجروح إذا زال دمه بأي وجه ، وكذا ولد الحيوانات الملوث بالدم عند التولد ، إلى غير ذلك (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اثباتها خرط القتاد ، حيث لا دليل على الطهارة التبعية فيه بعد العلم بتنجسه بالعصير ـ  بناء على القول بنجاسته بالغليان  ـ إذ الحكم بطهارته يحتاج إلى الغسل أو إلى دليل دلّ على طهارته التبعية من غير غسل ، وكلا الأمرين مفقود في المقام ، فماذا أوجب طهارته بعد طهارة العصير بالتثليث . وكذلك الحال فيما يجعل في العصير للتخليل فيصير خمراً ثم ينقلب خلاًّ كما قد يتفق في بعض البيوت ، لأنه بعد ما تنجس بالخمر يحتاج زوال النجاسة عنه إلى دليل .

   نعم ، إذا كان الشيء المجعول فيه مما يعد علاجاً للتخليل كالملح ، أو كان أمراً عادياً في العصير كالعودة في العنب والنواة في التمر ، حكم بطهارته التبعية ، للأخبار الدالّة على طهارة الخمر المنقلبة خلاًّ بالعلاج وجريان السيرة على طهارته ، هذا والذي يسهل الخطب في مفروض المسألة أ نّا لا نلتزم بنجاسة العصير بالغليان كما تقدمت الإشارة إليه سابقاً (1) .

 مطهِّريّة زوال العين

    (1) المشهور طهارة بدن الحيوان غير الآدمي بزوال العين عنه ، ويستدل عليه بالسيرة المستمرة من الخلف والسلف على عدم التحرّز من الهرّة ونظائرها مما يعلم عادة بمباشرتها للنجس أو المتنجِّس عادة وعدم ورود أيّ مطهر عليها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص  188 .

ــ[217]ــ

   وبما دلّ على طهارة سؤر الهرّة (1) مع العلم بنجاسة فمها عادة لأكل الفأرة أو الميتة أو شربها المائع المتنجِّس وغير ذلك من الأسباب الموجبة لنجاسة فمها ، فلا وجه لطهارة سؤرها سوى طهارة الهرة بزوال العين عنها ، وبما دلّ على طهارة الماء الذي وقعت فيه الفأرة وخرجت حيّة (2) مع العلم بنجاسة موضع بولها وبعرها ، وبما دلّ على طهارة الماء الذي شرب منه باز أو صقر أو عقاب إذا لم يرَ في منقارها دم (3) مع العلم العادي بنجاسة منقارها بملاقاته الدم أو الميتة أو غيرهما من النجاسات ، لأنها من جوارح الطيور فلو لم يكن زوال العين مطهراً لمنقارها لم يكن موجب للحكم بطهارة الماء في مفروض الخبر . فهذا كله يدلنا على أن زوال العين مطهر لبدن الحيوان من دون حاجة إلى غسلها ، هذا وفي المسألة احتمالات اُخر :

   أحدها : ما احتمله شيخنا الهمداني (قدس سره) بل مال إليه من استناد الطهارة في سؤر الحيوانات الواردة في الروايات إلى ما نفى عنه البعد في محله من عدم سراية النجاسة من المتنجِّس الجامد الخالي عن العين إلى ملاقياته ، إذ مع البناء على ذلك لا يمكن استفادة طهارة الحيوان من الأدلّة المتقدِّمة بزوال العين عنه ، لأنها دلّت على طهارة الماء الملاقي لتلك الحيوانات فحسب وهي لا تنافي بقاءها على نجاسـتها لاحتمال استنادها إلى عدم تنجيس المتنجسات ، ومقتضى إطلاق ما دلّ على لزوم الغسل في المتنجسات بقاء النجاسة في الحيوانات المذكورة بحالها إلى أن يغسل (4) .

   وتظهر ثمرة الخلاف في الصلاة في جلدها أو صوفها المتخذين منها بعد زوال عين النجس ، لأنها بناء على هذا الاحتمال غير جائزة ما لم يرد عليهما مطهر شرعي ، وأما على القول بطهارتها بزوال العين عنها فلا مانع من الصلاة في جلدها أو صوفها لطهارتهما بزوال العين عنهما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 227 / أبواب الأسآر ب 2 .

(2) الوسائل 1 : 238 / أبواب الأسآر ب 9 .

(3) راجع موثقة عمار الوسائل 1 : 230 / أبواب الأسآر ب 4 ح 2 .

(4) مصباح الفقيه (الطهارة) : 640 السطر 6 .

ــ[218]ــ

   ثانيها : أن الأخبار المتقدِّمة إنما وردت للدلالة على سقوط استصحاب النجاسة وعدم جريانه في الحيوان غير الآدمي تخصيصاً في أدلته من غير أن تدل على طهارة الحيوان بزوال العين عنه ، وذلك لأنه (عليه السلام) قد علّق نفي البأس عما شرب منه باز أو صقر أو عقاب على ما إذا لم يرَ في منقارها دم ، ومقتضى ذلك أن يكون الحكم بنجاسة بدن الحيوان مختصاً بصورة رؤية النجاسة على بدنه ، ومع عدم رؤيتها وإحساسها لا يجري فيه استصحاب النجاسة ولا يحكم بنجاسته ولا بكونه منجساً لملاقياته ، لاحتمال أن يرد مطهر عليه كشربه من بحر أو نهر أو كر ماء أو إصابة المطر له ، ومن هنا نسب إلى النهاية اختصاص الحكم بطهارة بدن الحيوان بعد زوال العين عنه بما إذا احتمل ورود مطهر عليه (1) فالمدار على ذلك في الحكم بطهارة بدن الحيوان هو احتمال ورود المطهر عليه . وعن بعضهم اعتبار ذلك في الحكم بطهارة بدن الحيوان من باب الاحتياط (2) .

   ثالثها : أن الوجه في طهارة سؤر الحيوانات المتقدِّمة عدم تنجسها بشيء ، لا أنها تتنجّس وتطهر بزوال العين عنها ، وذلك لعدم عموم أو إطلاق يدلنا على نجاسة كل جسم لاقى نجساً ، وقولهم : كل ما لاقى نجساً ينجس ، لم يرد في لسان أي دليل ، وإنما عمومه أمر متصيد من ملاحظة الأخبار الواردة في موارد خاصة لعدم احتمال خصوصية في تلك الموارد ، ومع عدم دلالة الدليل عليه لا يمكننا الحكم بنجاسة بدن الحيوان بالملاقاة وإنما النجس هو العين الموجودة عليه . وهذا هو الذي استقربه الماتن (قدس سره) وقال : وعلى هذا فلا وجه لعد زوال العين من المطهرات .

   هذه احتمالات ثلاثة وإذا انضمت إلى ما ذهب إليه المشهور من أن الحيوان كغيره يتنجّس بملاقاة النجس إلاّ أن زوال العين عنه مطهر له للسيرة والأخبار المتقدِّمة كانت الوجوه والاحتمالات في المسألة أربعة .

   ولا يمكن المساعدة على شيء منها عدا الاحتمال الأخير وهو الذي التزم به المشهور .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهاية الأحكام 1 : 239 .

(2) حكاه (دام ظله) عن المحقق الورع الميرزا محمد تقي الشيرازي (قدس سره) .

ــ[219]ــ

   أما ما احتمله شيخنا الهمداني (قدس سره) فيدفعه أوّلاً : أن المتنجِّس من غير واسطة ـ  على ما قدّمنا في محلِّه (1)  ـ منجس لما لاقاه وقد دلتنا على ذلك جملة من الأخبار : منها : قوله (عليه السلام) : «وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا  بأس به ، إن لم يكن أصاب يده شيء من المني»(2) لأن مفهومه ـ  على ما صرح به في الرواية  ـ أنه إذا أصاب يده شيء من المني فأدخل يده في الماء ، ففيه بأس .

   وثانياً : أن البناء على عدم تنجيس المتنجِّس إنما يقدح في الاستدلال بالأخبار ، وأما السيرة فهي باقية بحالها ، لأن المتشرعة خلفاً عن سلف وفي القرى والأمصار جرت سيرتهم على عدم التجنب عن أبدان الحيوانات وأصوافها وأوبارها وجلودها ، حيث يعاملون معها معاملة الأشياء الطاهرة ، فيلبسونها فيما يشترط فيه الطهارة مع العلم بتنجسها جزماً بدم الولادة حين تولدها من اُمهاتها أو بدم الجرح أو القرح المتكونين في أبدانها ، أو بالمني الخارج منها بالسفاد أو بغير ذلك من الاُمور . والاطمئنان بعدم ملاقاتها للمطهر الشرعي ، لأنها لا تستنجي من البول ولا تسبح في الشطوط ، فهل في قلل الجبال والفلوات نهر أو بحر أو ماء كثير ليحتمل ورودها في تلك المياه ، كيف ولا يوجد في مثل الحجاز شيء من ذلك إلاّ ندرة وإنما يتعيش أهله بمياه الآبار . وأما احتمال اصابة المطر لها ، فيندفع بأن المطر على تقدير إصابته الحيوانات المتنجسة أبدانها فانّما يصل إلى ظهورها لا إلى بطونها ، فكيف لا يتحرزون عنها ويستعملونها فيما يشترط فيه الطهارة ، فلا وجه له سوى طهارتها بزوال العين عنها .

   وأما الاحتمال الثاني فيرده : أن السيرة جرت على عدم غسل الحيوانات مع العلم بنجاستها في زمان ، والعلم عادة بعدم ملاقاتها للمطهر بوجه كما في الحيوانات الأهلية في البيوت ، للقطع بعدم ورود أي مطهر على الهرة من غسلها أو وقوعها في ماء كثير أو إصابة المطر لها ولا سيما في غير أوان المطر ، وعلى ذلك لا يعتبر في الحكم بطهارة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة  3 : 204 .

(2) راجع موثقة سماعة المروية في الوسائل 1 : 154 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 10 .

ــ[220]ــ

الحيوان احتمال ورود المطهر عليه ، إذ لم يعهد من أحد غسل الهرة أو التحرز عن صوف الشاة في الصلاة بدعوى العلم بتنجسها بدم الولادة وعدم ورود مطهّر عليه ، بل لو غسل أحد فم الهرة التي أكلت الفأرة أو شيئاً متنجِّساً عدّ من المجانين عندهم ، وهذا لا  يستقيم إلاّ بطهارة الحيوان بمجرد زوال العين عنه ، فلا يمكننا المساعدة على هذا الاحتمال .

   إذن يدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين وهما يبتنيان على أن الأدلّة الدالّة على الانفعال بالملاقاة هل فيها عموم أو اطلاق يدلنا على نجاسة كل جسم لاقى نجساً أو لا  عموم فيها ، وحيث إن موثقة عمار : «يغسله ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء» (1) يكفي في إثبات العموم ، فلا مناص من أن يلتزم بنجاسة كل جسم لاقى نجساً أو متنجساً ولو كان بدن حيوان غير آدمي .

   ثم إن الأمر بالغسل في تلك الروايات وإن كان إرشاداً إلى أمرين : أحدهما : نجاسة ذلك الشيء الذي اُمر بغسله . وثانيهما : أن نجاسته لا ترتفع من دون غسل ، ومقتضى ذلك عدم زوال النجاسة عن الحيوانات المتنجسة إلاّ بغسلها ، إلاّ أ نّا علمنا بالأخبار والسيرة المتقدمتين أن نجاسة الحيوان بخصوصه قابلة الارتفاع بزوال العين عنه ، وبذلك نرفع اليد عن حصر المطهر في الغسل في الحيوان ، فهو وإن قلنا بتنجسه بالملاقاة كبقية الأجسام الملاقية للنجس إلاّ أنه يمتاز عن غيره في أن زوال العين عنه كاف في طهارته . فعلى ذلك لو تنجس بدن الحيوان بشيء كالعذرة فجف فيه ولم تزل عنه عينه ثم ذبح لا بدّ في تطهيره من الغسل ، وذلك لأن كفاية زوال العين في التطهير إنما يختص بالحيوان فاذا خرج عن كونه حيواناً لا دليل على كفايته فلا مناص من غسله بالماء . نعم بناء على عدم تنجس الحيوان بالملاقاة لا يحتاج في تطهيره إلى الغسل ، لأن النجاسة حينما أصابته رطبة لم تؤثر في بدنه لأنه حيوان وهو لا  يتنجّس بالملاقاة ، وبعد ما خرج عن كونه حيواناً لم تصبه النجاسة الرطبة حتى تنجسه ويحتاج في تطهيره إلى الغسل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

 
 

ــ[221]ــ

   فالمتحصل أن ما ذهب إليه المشهور من تنجس بدن الحيوان بالملاقاة وكفاية زوال العين في طهارته هو الصحيح .

   بقى الكلام فيما يترتب على هذا النزاع ، فقد يقال كما عن جماعة منهم شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في بحث الاُصول(1) : إن الثمرة تظهر فيما إذا أصابت الحيوان عين من الأعيان النجسة أو المتنجسة ثم لاقى بدنه ماء أو غيره من الأجسام الرطبة كالثوب مع الشك في بقاء العين في الحيوان حال وصول الماء أو الجسم الرطب إليه ، فانّه إن قلنا بعدم تنجس الحيوان أصلاً فلا يحكم بنجاسة الملاقي للحيوان ، لأن ما علمنا بملاقاته الماء مثلاً إنما هو بدن الحيوان وهو جسم طاهر لا يقبل النجاسة حتى ينجّس الماء أو غيره ، وأما العين النجسة التي أصابت الحيوان على الفرض فملاقاتها الماء غير محرزة للشك في بقائها حال ملاقاتهما . واستصحاب بقائها إلى حال الملاقاة لا يترتب عليه ملاقاة العين النجسة مع الماء ، اللّهمّ إلاّ على القول بالأصل المثبت .

   وأمّا إذا قلنا بتنجّس الحيوان بالملاقاة وطهارته بزوال العين عنه ، فلا مناص من الحكم بنجاسة الملاقي للحيوان في مفروض الكلام أعني الماء أو الجسم الآخر الرطب وذلك لأن ملاقاة الحيوان مع الماء أو الثوب الرطب مثلاً وجدانية ، وغاية الأمر أ نّا نشك في زوال العين عنه . وبعبارة اُخرى نشك في طهارته ونجاسته ، ومقتضى استصحاب بقاء النجاسة أو عدم زوال العين عنه أنه باق على نجاسته حال ملاقاتهما وهو يقتضي الحكم بنجاسة الملاقي للحيوان ، هذا .

   وفيه : أ نّا سواء قلنا بتنجس الحيوان بالملاقاة وطهارته بزوال العين عنه أم قلنا بعدم تنجسه أصلاً ، لا نلتزم بنجاسة الملاقي للحيوان مع الشك في بقاء العين على بدنه وذلك لانقطاع استصحاب النجاسة في الحيوان ، لما تقدّم من دلالة الأخبار على أن الحكم بالنجاسة في الحيوانات ينحصر بصورة العلم بنجاستها ومع الشك لا يحكم عليها بالنجاسة ، لأن مقتضى قوله : «كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلاّ أن ترى في منقاره دماً» (2) نجاسة الماء الذي يشرب منه الطير إذا رأى في منقاره دماً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 2 : 420 .

(2) الوسائل 1 : 230 / أبواب الأسآر ب 4 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net