ــ[420]ــ
الواجب الأصلي والتبعي
ذكر صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) في بحث مقدّمة الواجب اُموراً أربعة وقد تضمّن الأمر الأول البحث عن وجوب المقدّمة ، وأنّها من المسائل الاُصولية العقلية . وتضمّن الأمر الثاني تقسيم المقدّمة إلى داخلية وخارجية ومتقدّمة ومقارنة ولاحقة ، وغير ذلك من التقسيمات . والأمر الثالث تعرّض لتقسيم الواجب إلى مطلق ومشروط ، ومنجّز ومعلّق ، وغير ذلك . أمّا الأمر الرابع فقد تطرّق للبحث عمّا هو الواجب من المقدّمة ، بعد ثبوت وجوبها وتبعيتها في الإطلاق والاشتراط لذيها .
وبعد الانتهاء من الاُمور الأربعة ذكر انقسام الواجب إلى الأصلي والتبعي . وكان لزاماً عليه أن يدرجه في الأمر الثالث ، لأنّه من شؤون تقسيم الواجب .
والذي أخاله أنّه كان من قبيل الغلط والاشتباه ، ولعلّه كان من الناسخ .
وكيف كان ، فالتعرّض لهذا التقسيم هنا إنّما هو تبعاً لصاحب الكفاية ، وإلاّ فهو عديم الأثر والفائدة .
اعلم أنّ تقسيم الواجب إلى الأصلي والتبعي تارةً يلاحظ في مرحلة الثبوت ، واُخرى في مرحلة الإثبات .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 89 ـ 122 .
ــ[421]ــ
أمّا المرحلة الاُولى : فالواجب الأصلي هو ما تعلّق الطلب به استقلالا وكان المولى ملتفتاً إليه ، ومريداً له أصالة . والواجب التبعي ما تعلّق الطلب به بلا التفات ، وإنّما بتبع غيره .
ومن البديهي اتّصاف الواجب الغيري بكل منهما ، وأمّا الواجب النفسي فلا يتّصف إلاّ بالأصالة ، دون التبعية ، وذلك للزوم الالتفات في الواجب النفسي .
وأمّا المرحلة الثانية : فالواجب الأصلي هو ما قصد بالإفادة من الكلام بحيث كانت دلالة الكلام عليه بالمطابقة . والواجب التبعي ما لم يكن كذلك بل كانت دلالة الكلام عليه بالالتزام . ومن المعلوم اتّصاف الواجب الغيري بكل منها في هذه المرحلة وهي الإثبات ، كما أنّ الواجب النفسي يتّصف بكل منهما أيضاً .
ثمّ إن علم أنّ الواجب أصلي أو تبعي عمل على طبقه ، وإن شكّ فيه فحيث لا أثر لذلك ، فلا معنى لبيان ما يقتضيه الأصل أو القاعدة في هذه المرحلة ، لأنّ الأثر مرتّب على الواجب ، وهو يترتّب على كل من الأصلي والتبعي ، بلا فرق بينهما ، وإن قيل بأنّ الأصل عند الشكّ هو كونه تبعياً ، وذلك لاحتياج الأصلي إلى التفات إليه وطلبه بإرادة مستقلّة ، والأصل عدم تحقّق الإرادة المستقلّة .
ــ[422]ــ
تأسيس الأصل
والبحث يقع عمّا يقتضيه الأصل عند الشكّ في وجوب المقدّمة وعدمها ، وهو في مقامين :
المقام الأول : في الأصل العملي .
المقام الثاني : في الأصل اللفظي .
أمّا البحث عن المقام الأول : فقد ادّعى صاحب الكفاية (رحمه الله)(1) أنّه لا أصل لنا في المسألة الاُصولية يعيّن الملازمة عند الشكّ في وجوب المقدّمة ، لأنّ الملازمة على تقدير ثبوتها أزلية لا تقبل المناقشة ، كما أنّها على تقدير عدمها أزلية أيضاً . إذن فلا مجرى للأصل فيها ليقال : إنّ الأصل هو عدم الملازمة .
وأمّا في المسألة الفرعية ـ وهي وجوب المقدّمة الخاصّة ، كما إذا علم وجوب الصلاة وشكّ في وجوب مقدّمتها ـ : فإنّه لا مانع من جريان أصالة عدم الوجوب فيقال : إنّه قبل حكم الشارع بوجوب الصلاة لم تكن المقدّمة واجبة لعدم وجوب ذيها ، وبعد الحكم بوجوب الصلاة شكّ في وجوب المقدّمة ، ومقتضى الأصل استصحاب عدم الوجوب ، أو إجراء أصل البراءة من التكليف .
وغير خفي أنّ ما جاء به (قدّس سرّه) في المسألة الاُصولية من عدم وجود
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 125 .
ــ[423]ــ
أصل عملي يعيّن لنا الوظيفة الشرعية مسلّم ، إنّما الإشكال فيما جاء به في المسألة الفرعية . والأصل لا يخلو إمّا البراءة ، أو الاستصحاب .
والاُولى : لا تجري بكلا قسميها . أمّا العقلية منها فلأنّها واردة لنفي العقاب والمفروض أنّ المقدّمة لا يستلزم تركها عقاباً وإن قلنا بوجوبها ، وإنّما العقاب على ترك الواجب النفسي .
وأمّا الشرعية منها فلأنّ حديث الرفع وارد مورد الامتنان ، ففي مورد يكون في التكليف كلفة على العبد فإنّه يرفع امتناناً بهذا الحديث ، أمّا إذا كان التكليف غير مستلزم عقاباً فليس في رفعه منّة . على أنّ العقل يلزم بالإتيان بها ، قلنا بالوجوب أم لم نقل ، لأنّه لابدّ من الإتيان بها ، لتوقّف الواجب النفسي عليها ، فأي منّة في رفع الوجوب بعد لزوم الإتيان بها بنظر العقل .
والثاني ـ وهو الاستصحاب ـ : لا يجري أيضاً ، فإنّ أركانه وإن تمّت من يقين سابق وشكّ لاحق ، إلاّ أنّه عديم الأثر ، نظراً إلى حكم العقل بإتيان نفس المقدّمة بعد وجوب ذيها ، ومعه لا فائدة للحكم الشرعي .
وكيف كان ، فالأصل العملي متعذّر هنا في المسألتين ، نعم ربما يجري في ناحية اُخرى ، وهي في الثمرة التي ذكرناها سابقاً(1) فيما لو كانت المقدّمة محرّمة وقد توقّف على إتيانها واجب أهم ، فحينئذ يلزم ملاحظة دليل الحرمة .
فإن كان لدليل تحريم المقدّمة إطلاق لزم التمسّك به ورفع اليد عن التحريم بمقدار الضرورة ، وذلك في المقدّمة الموصلة التي تيقّنا زوال التحريم عنها . وأمّا الأفراد الباقية ـ وهي التي لم تكن موصلة ـ فهي باقية على حرمتها ، عملا باطلاق دليلها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص414 .
ــ[424]ــ
وإن لم يكن لدليل التحريم إطلاق فتجري أصالة البراءة عن الحرمة في كل مقدّمة ، لاحتمال وجوبها المنافي للحرمة ، سواء أكانت موصلة أم لا . هذا كلّه في الأصل العملي .
|