الثالثة: أنّ العموم ينقسم إلى استغراقي ومجموعي وبدلي، فالحكم في الأوّل وإن كان واحداً في مقام الانشاء والابراز إلاّ أ نّه في مقام الثبوت والواقع متعدد بعدد أفراد العام، ففي مثل قولنا: أكرم كل عالم، وإن كان الحكم في مقام الانشاء واحداً إلاّ أ نّه بحسب الواقع ينحل بانحلال أفراد موضوعه، فيكون في قوة قولنا: أكرم زيداً العالم وأكرم بكراً العالم وهكذا، فيثبت لكل فرد حكم مستقل غير مربوط بالحكم الثابت لآخر.
ــ[300]ــ
وفي الثاني واحد في مقامي الاثبات والثبوت باعتبار أنّ المتكلم قد جعل المجموع من حيث المجموع موضوعاً واحداً بحيث يكون كل فرد جزء الموضوع لا تمامه. وفي الثالث أيضاً كذلك، حيث إنّ الحكم فيه تعلق بصرف وجود الطبيعة السارية إلى جميع أفرادها كقولنا مثلاً: أكرم أيّ رجل شئت، والمفروض أنّ صرف الوجود غير قابل للتعدد، وعليه فلا محالة يكون الحكم المتعلق به واحداً. الرابعة: ما هو منشأ هذا التقسيم، ذكر صاحب الكفاية (قدس سره)(1) أنّ منشأه إنّما هو اختلاف كيفية تعلق الحكم بالعام، حيث إنّه يتعلق به تارةً على نحو يكون كل فرد موضوعاً على حدة للحكم، واُخرى يكون الجميع موضوعاً واحداً بحيث يكون كل فرد جزء الموضوع لاتمامه، وثالثةً يكون كل فرد موضوعاً على البدل. وفيه: أنّ الأمر ليس كذلك، والسبب فيه: هو أنّ المولى في مرحلة جعل الحكم إذا لم يلاحظ الطبيعة بما هي مع قطع النظر عن أفرادها، أي من دون لحاظ فنائها فيها، ولم يجعل الحكم عليها كذلك كما هو الحال في القضية الطبيعية كقولنا: الانسان نوع والحيوان جنس وما شاكلهما التي لا صلة لها بالعام والخاص، فبطبيعة الحال تارةً يلاحظ الطبيعة فانية في أفرادها على نحو الوحدة في الكثرة، يعني يلاحظ الأفراد الكثيرة واقعاً وحقيقةً في ضمن مفهوم واحد وطبيعة فاردة ويجعل الحكم على الأفراد فيكون كل واحد منها موضوعاً مستقلاً. ـــــــــــــــــــــ (1) كفاية الاُصول: 216.
ــ[301]ــ
واُخرى يلاحظها فانيةً في الأفراد لا على نحو الوحدة في الكثرة، بل على نحو الوحدة في الجمع، يعني يلاحظ الأفراد المتكثرة على نحو الجمع واقعاً وحقيقةً في إطار مفهوم واحد ويجعل الحكم عليها كذلك فيكون المجـموع موضوعاً واحداً على نحو يكون كل فرد جزء الموضوع لاتمامه.
|