التنبيه الرابع
أنّ الاجازة في البيع الفضولي كما ذكرناه سابقاً ليست إلاّ عبارة عن البيع بحسب البقاء ، وعليه فهي حكم من الأحكام قد ثبت بقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)وغيره من العمومات ، وليست من قبيل الحقوق ، فإذا مات المالك بعد العقد الفضولي فلا تنتقل الاجازة الثابتة له إلى وارثه ، لأنّ الحكم لا يورّث ، نعم ينتقل إليه المال ، فله الاجازة بناءً على أنّ المجيز لا يشترط أن يكون هو المالك حال العقد . والثمرة بين إرث نفس الاجازة وكونها من الحقوق ، وبين إرث المال وترتّب الاجازة عليه وكونها من الأحكام تظهر من جهتين :
إحداهما : أنّ الاجازة بناءً على أنّها من الحقوق تنتقل إلى جميع ورثة المالك حتّى زوجته وغيرها ممّن لا ترث من الأراضي والعقار ، لعموم أنّ ما تركه الميّت فهو لوارثه ، وقد خرج عنه الأراضي فتبقى الحقوق مشمولة للعموم ، فلزوجته أيضاً
ــ[500]ــ
الاجازة بالنسبة إلى العقد الواقع على الأرض والعقار وإن لم ترث من نفس الأراضي كما عرفت ، وهذا بخلاف ما إذا كانت الاجازة من الأحكام فإنّها لا تنتقل إلى الورثة بوجه ، بل الموروث هو المال فيتبعه الاجازة لا محالة ، فمن انتقل إليه المال فله الاجازة بناءً على عدم اشتراط المالكية حال العقد في المجيز ، فالزوجة بما أنّها لا ينتقل إليها المال لأنّه من قبيل العقار مثلا فلا تتمكّن من الاجازة لا محالة .
وثانيتهما : أنّ لهم كلاماً في كيفية إرث الحقوق ، وأنّ الحقّ هل ينتقل إلى طبيعي الورثة ، فإذا أسقطه بعضهم فيسقط بالكلّية وإن لم يرض به الآخرون لأنّ الطبيعي يصدق على ذلك البعض ، كما أنّه إذا أعمله واحد منهم فيثبت لا محالة وإن لم يرض به الباقون مثلا ، فالمناط في مثل الخيار باسقاط من له الخيار وهو عبارة عن طبيعي الورثة فرضاً ، والطبيعة تصدق بأوّل الوجودات ، أو أنّه ينتقل إلى جميعهم على نحو العموم المجموعي فالاعتبار باجتماعهم على إسقاطه أو إعماله . هذان احتمالان.
وهناك احتمال ثالث وإن كان في غاية الضعف ، وهو أنّ الحقّ يتبعّض بين الورثة بحسب ما يرثونه من المال ، فمن انتقل إليه نصف المال فله من الحقّ نصفه ويتمكّن من إسقاط نصف ذلك الحقّ وعدمه ، كما أنّ من انتقل إليه ربع المال فينتقل إليه ربع الحقّ لا محالة وله إسقاط ربع الخيار وهكذا .
ولكن هذا الاحتمال ضعيف بل لا قائل به في الحقوق .
والصحيح هو الاحتمالان المتقدّمان ، وعليه فإذا بنينا على أنّ الاجازة من قبيل الحقوق فتأتي فيها الاحتمالات الثلاثة ، وأمّا إذا قلنا إنّها من الأحكام وأنّ الموروث هو المال فلا محالة يتعيّن الاحتمال الثالث في المقام ، وذلك لأنّ الفضولي كأنّه باع مالا مشتركاً بين أشخاص فنصفه لأحدهم وربعه لآخر وهكذا ، وفي مثله لا يتمكّن المالكان إلاّ من إجازة العقد بالنسبة إلى ملكهما ، وأمّا إجازة العقد بالنسبة
ــ[501]ــ
إلى جميع المال فلا وجه لها أبداً ، إذ لا معنى لاجازة الأجنبي للعقد الواقع على مال الغير بوجه ، فلصاحب النصف الاجازة في نصف المعاملة كما أنّ لصاحب الربع الاجازة في ربعها ، فإذا أجاز أحدهما دون الآخر فالمعاملة في ملك المجيز صحيحة دون حصّة الرادّ ، غاية الأمر أنّ للمشتري خيار تبعّض الصفقة ، وهذا مبني على ما سيأتي في بيع ما يملك وما لا يملك من أنّ البيع الواحد ينحلّ في نظر العرف إلى بيوع متعدّدة ، فإذا جمع بين الشاة والخنزير وباعهما في بيع واحد فالمعاملة بالنسبة إلى الأوّل صحيحة وبالنسبة إلى الآخر باطلة ، وللمشتري خيار تبعّض الصفقة كما هو ظاهر .
فالمتحصّل : أنّ هذا الاحتمال وإن كان ضعيفاً في الحقوق لأنّ الحقّ الواحد لا يقبل التبعيض ، إلاّ أنّه متعيّن بناءً على أنّ الاجازة من الأحكام .
|