[ 3602 ] مسألة 35: يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة، لأنها دَين على الزوج(2). وكذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكنة في صبيحته ، لوجوبها عليه
ـــــــــــــــــــــــــ (2) تنقسم النفقات إلى قسمين : نفقة الزوجة ونفقة الأقارب .
والمعروف والمشهور في الاُولى ، بل لا يبعد دعوى الإجماع عليه كونها على نحو التمليك . بخلاف الثانية ، حيث إنّ وجوبها حكم تكليفي محض ، لا يترتّب على مخالفته غير العصيان والإثم .
ويدلّ على الحكم في الاُولى، مضافاً إلى ما سيظهر من بعض النصوص، قوله: (وعلى المولودِ له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف)(1) . فإنّ الرزق عبارة عما يرتزق به
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة 2 : 233 .
ــ[459]ــ
واسم للعين الخارجية مما يؤكل أو يشرب ، والكسوة اسم لما يلبس ، فيكون معنى الآية الكريمة : أنّ على الرجل الطعام والشراب واللباس بالمعروف .
وقد ذكرنا في مبحث النفقات من كتاب النكاح أنّ متعلق (عليك) أو (عليه) أو غيرهما مما يدلّ على الإلزام ، إذا كان عيناً خارجياً كان معناه التمليك ، فيقال : عليه الدينار أو الدرهم وما شاكل ذلك . وهذا بخلاف ما لو كان متعلقه الفعل كالصلاة والصيام ، فإنّ ظاهره الإلزام به ووجوبه عليه تكليفاً محضاً لا غير .
وحيث إنّ الآية الكريمة من قبيل الأوّل ، باعتبار أنها أثبتت نفس الأعيان الخارجية على الرجل ، كان ظاهرها ثبوت تلك الأعيان في ذمّته ، وهو ما يعني ملكيّة الزوجة لها عليه .
وتقدير الفعل في الآية الكريمة ، بدعوى كون المراد : عليه إعطاء الرزق والكسوة خلاف الظاهر ولا شاهد يعضده .
واحتمال كون الرزق والكسوة مصدرين، كما جاء في بعض الكلمات، بعيد غايته. فإنّ الأوّل من الأفعال المتعدّية ومصدره الرَّزق ـ بفتح الراء ـ وأوضح منه فساداً الثاني، فإنه اسم للعين وليس بمصدر جزماً ، فإنّ مصدره الكسو.
إذن فما ذهب إليه المشهور بل لا يبعد دعوى عدم الخلاف فيه ، من ملكيّة الزوجة لنفقتها ، هو الصحيح .
هذا كلّه في الزوجة . وأمّا الأقارب فلا دليل على ملكيتهم لنفقتهم بالمرّة ، حيث لم يرد في شيء من نصوصها ما يستفاد منه ذلك ، بل الأمر بالعكس من ذلك ، حيث إنّ ظاهر نصوصها كون الإنفاق عليهم حكماً تكليفياً محضاً .
وعليه فلو عصى المكلّف ولم ينفق عليهم ، لم يكن عليه غير الإثم . وأمّا اشتغال ذمّته بها لهم ، حتى لو مات اُخرجت من تركته كسائر الديون الذي عليه ، فلا .
نعم ، ليس هذا الحكم التكليفي كسائر الأحكام التكليفية بالمعنى الأخص ، وهو ما يصطلح عليه في كلماتهم بالحكم ، وإنما هو من الحقوق حيث يقبل الإسقاط ، كما هو الحال في سائر موارد الحقوق .
ــ[460]ــ
حينئذ (1) وإن لم تكن مستقرّة ، لا حتمال نشوزها في أثناء النهار ، بناءً على سقوطها بذلك . وأمّا النفقة المستقبلة فلا يجوز ضمانها عندهم ، لأنه من ضمان ما لم يجب (2) . ولكن لا يبعد صحّته ((1)) (3) لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن هنا فلو امتنع من يجب عليه الإنفاق منه ، جاز لواجب النفقة رفع أمره إلى الحاكم وله إجباره عليه ، فإن امتنع جاز له الأخذ من ماله والإنفاق على من تجب نفقته على الممتنع ، لكونه وليّ الممتنع .
إذا عرفت ذلك كلّه ، ظهر الوجه في صحّة ضمان النفقة الماضية للزوجة ، فإنها دين حقيقة ثابت في ذمّة الزوج بالفعل ، فلا مانع من نقله بالضمان إلى ذمّة غيره .
كما ظهر الوجه في عدم جواز ضمان النفقة الماضية للأقارب ، إذ الإنفاق عليهم ليس إلاّ حكماً تكليفياً محضاً ، فلا يترتب على عصيانه ثبوته دَيناً في ذمّته .
(1) بناءً على ما هو المعروف والمشهور بينهم من ملكيّة الزوجة لنفقتها في أوّل النهار ، فإنه حينئذ يصحّ ضمانها ، لثبوتها في ذمّته بالفعل .
وكذا بناءً على القول بملكيتها لنفقة كلّ وقت في حينه ، بحيث تملك نفقة الصبح صباحاً ونفقة الظهر عنده والعشاء ليلاً ، فإنه يصحّ ضمانها في حينها ، لثبوتها في ذمّة الرجل عند ذلك .
(2) وحيث لا تملك الزوجة شيئاً بالفعل في ذمّة زوجها ، فهو غير مدين إليها بالفعل ، كي يصحّ الضمان ونقل ذلك الدَّين إلى ذمّة غيره .
(3) بل هو بعيد جداً ، بل لم يظهر وجه لاحتمال الصحّة في المقام بالمرّة . فإنّ الضمان ـ كما عرفته ـ نقل الدَّين من ذمّة إلى اُخرى ، فما لم يكن الدَّين ثابتاً بالفعل فلا موضوع لنقله .
وبعبارة اُخرى : إنّ الضامن إن أنشأ اشتغال ذمّته بالدَّين فعلاً ، فهو غير صحيح لعدم ثبوته في ذمّة المضمون عنه كي ينقل إلى ذمّته . وإن أنشأ اشتغالها به عند اشتغال
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مر الكلام فيه .
ــ[461]ــ
وأمّا نفقة الأقارب فلا يجوز ضمانها بالنسبة إلى ما مضى، لعدم كونها دَيناً على من كانت عليه(1) . إلاّ إذا أذن للقريب أن يستقرض وينفق على نفسه (2) أو أذن له الحاكم في ذلك (3) إذ حينئذ يكون دَيْناً عليه . وأمّا بالنسبة إلى ما سيأتي فمن ضمان ما لم يجب. مضافاً إلى أنّ وجوب الإنفاق حكم تكليفيّ ولا تكون النفقة في ذمّته. ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال((1)) (4) .
[ 3603 ] مسألة 36 : الأقوى جواز ضمان مال الكتابة ، سواء كانت مشروطة أو مطلقة ، لأنه دَين في ذمّة العبد (5) وإن لم يكن مستقراً ، لإمكان تعجيز نفسه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذمّة الزوج به ، فهو من التعليق الباطل .
وكيف كان ، فمجرد وجود المقتضي للدَّين لا يصحّ ضمانه ، ما لم يكن هو ثابتاً بالفعل في الذمّة .
وهذا قد تقدّم الكلام فيه في الشرط الثامن من شروط الضمان ، عند احتماله (قدس سره) للصحّة في موارد وجود المقتضي خاصّة ، فراجع .
(1) على ما تقدّم بيانه في أوّل المسألة .
(2) حيث يثبت الدَّين عليه بالاستقراض عن أمره ، فيصحّ ضمانه من هذه الجهة لا من باب كون نفقة الأقارب قابلة للضمان .
(3) لكونه وليّ الممتنع كما عرفت، فيثبت الدَّين عليه ويصحّ ضمانه بهذا الملاك، وإلاّ فأصل وجوب الإنفاق لا يخرج عن كونه وجوباً تكليفياً محضاً .
(4) إلاّ أنه ضعيف وموهون جداً ، فإنّ وجوب الإنفاق عليهم ليس وجوباً تمليكياً ، على أنه على تقدير تسليمه من ضمان ما لم يجب .
(5) فيصحّ نقله إلى ذمّة غيره بالضمان ، وبذلك ينعتق العبد ، لأنه أداء نظير إبراء المولى له .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا ينبغي الإشكال في بطلان الضمان .
ــ[462]ــ
والقول بعدم الجواز مطلقاً (1) أو في خصوص المشروطة (2) معلّلاً بأنه ليس بلازم ولا يؤول إلى اللّزوم ، ضعيف كتعليله(3) . وربّما يعلَّل بأنّ لازم ضمانه لزومه ، مع أنه بالنسبة إلى المضمون عنه غير لازم ، فيكون في الفرع لازماً مع أنه في الأصل غير لازم . وهو أيضاً كما ترى(4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على ما نسبه المحقِّق (قدس سره) في الشرائع إلى الشيخ (قدس سره) في المبسوط (1) .
(2) على ما نسبه الشهيد (قدس سره) في المسالك إليه (2) .
(3) أمّا التعليل ففيه : منعه صغرى وكبرى . فإنّ المكاتبة بقسميها لازمة من الطرفين ، فيجب على العبد الكسب ولا يجوز له تعجيز نفسه .
نعم ، لو عجز انتقاماً أو عصى فعجّز نفسه رجع رقّاً كما كان ، إلاّ أنه أجنبي عن القول بجوازه له ابتداءً ، كما هو واضح .
على أنه لا دليل على اعتبار اللزوم في الدَّين الثابت بالفعل ، بل يصحّ ضمان الدَّين الجائز قطعاً ، كما هو الحال في موارد ضمان البيع الخياري كبيع الحيوان وبيع الخيار .
وأمّا التعليل الثاني ، فغاية ما يقال في تقريبه : أنّ الضمان وإن كان يصحّ في العقد الجائز ، إلاّ أنه إنما يختصّ بما يؤول إلى اللزوم ، نظير بيع الخيار ونحوه مما يرتجى لزومه في زمان ، فلا يصحّ فيما لا يرتجى لزومه أصلاً ، كالمكاتبة المشروطة بناءً على جوازها فإنها لا تؤول إلى اللزوم أبداً ، فإنها ما لم يؤدّ الدَّين جائزة وعند أدائه ينعتق العبد وينتفي الموضوع من أساسه .
إلاّ أنه لا يرجع إلى محصّل ولا دليل عليه بالمرّة ، بل مقتضى عمومات الضمان بعد ثبوت أصل الدَّين صحّته .
(4) إذ قد عرفت أنّ الصحيح لزوم الأصل أيضاً ، وعلى تقدير تسليم جوازه فلا دليل على اعتبار عدم زيادة الفرع على الأصل ، بل الثابت خلافه ، فإنه يصحّ ضمان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرائع الإسلام 2 : 126 .
(2) مسالك الافهام 4 : 190 .
|