ــ[412]ــ
[ 3570 ] مسألة 3 : إذ أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت ذمّته وذمّة المضمون عنه (1) . وإن أبرأ ذمّة المضمون عنه لم يؤثر شيئاً ، فلا تبرأ ذمّة الضامن ، لعدم المحلّ للإبراء بعد براءته بالضمان ، إلاّ إذا استفيد منه الإبراء من الدَّين الذي كان عليه ، بحيث يفهم منه عرفاً إبراء ذمّة الضامن .
وأما في الضمان بمعنى ضمّ ذمّة إلى ذمّة ، فإن أبرأ ذمّة المضمون عنه برئت ذمّة الضامن أيضاً ، وإن أبرأ ذمّة الضامن فلا تبرأ ذمّة المضمون عنه . كذا قالوا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل أن إثبات اشتغال الذمّة يحتاج إلى الدليل ، وهو مفقود في غير الدَّين حيث اقتضت أدلّة الضمان الصحّة فيها .
نعم ، لا بأس بتصحيح هذا الضمان بالمعنى الذي سبق منّا بيانه في الشرط السابع أعني التعهّد بالوفاء به على تقدير عدم وفاء المديون ، نظير التعهد بالأعيان الخارجية فإنه لا بأس به حيث لم يكن بمعنى اشتغال الذمّة .
(1) أمّا الأوّل فواضح . وأمّا الثاني ، فالإبراء فيه إنما هو بمعنى عدم جواز رجوع الضامن عليه ومطالبته بما انتقل إلى ذمّته نتيجة للضمان ، وذلك لأنه من مختصّات الأداء عن أمره ، فلا يثبت مع فقد أحد الشرطين .
وما ذكرناه في معنى براءة ذمّة المضمون عنه هو المتعيّن في التفسير ، وإلاّ فذمّة المضمون عنه بالقياس إلى المضمون له ـ الدائن ـ بريئة حتى قبل الإبراء ، على ما يقتضيه مذهبنا في الضمان .
وبعبارة اُخرى : لا بدّ من حمل عبارة الماتن (قدس سره) على الضمان الإذنـي حيث يصحّ معه التعبير ببراءة الذمّتين ، نتيجة لإبراء المضمون له لذمّة الضامن . أمّا ذمّة الضامن فللإبراء ، وأمّا ذمّة المضمون عنه فلعدم أداء الضامن شيئاً ، ومعه فلا يثبت له ـ الضامن ـ حقّ الرجوع عليه ـ المضمون عنه ـ وبهذا المعنى صحّ التعبير ببراءة ذمّته .
وإلاّ بأن كان الضمان تبرعياً ، فحيث لا أثر لإبراء المضمون له لذمّة الضامن في
ــ[413]ــ
ويمكن أن يقال ببراءة ذمّتهما على التقديرين (1) .
[ 3571 ] مسألة 4: الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له(2). فلا يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
براءة ذمّة المضمون عنه ، فإنها بريئة وغير مشغولة لأحد بنفس الضمان ، سواء في ذلك قبل الإبراء وبعده ، فلا يصحّ التعبير ببراءة الذمّتين نتيجة لإبراء المضمون له لذمّة الضامن ، فإنه لا يؤثر إلاّ في براءة ذمّة الضامن فحسب ، وأمّا ذمّة المضمون عنه فهي بريئة قبل ذلك .
(1) وهو الصحيح .
أمّا مع إبراء الضامن ، فلأنّ الإبراء لا يعني رفع اليد عن الضمّ والضمان خاصّة ، كي يقال بأنّ معه يبقى الدَّين على حاله ويكون المضمون عنه مديناً بعد الإبراء كقبله ، فإنّ هذا المعنى غير مراد جزماً ، إذ الضمان من العقود اللازمة وهي لا تقبل الرفع حتى مع رضا الطرفين . على أنه ينافي مفهوم الإبراء ، فإنه مساوق لإسقاط الدَّين ، على ما ستعرف .
وإنما الإبراء بمعنى رفع اليد من الدَّين من أساسه ، على ما يساعد عليه ظاهر اللفظ . ومعه فلا مجال للقول ببقاء ذمّة المضمون عنه مشغولة ، فإنّ الدَّين ليس إلاّ ديناً واحداً ، فلا يقبل البقاء والسقوط في آن واحد بالقياس إلى الذمّتين .
وبعبارة اُخرى : إنّ إبراء إحدى الذمّتين من الدَّين الثابت فيهما على نحو الضمّ ، إنما هو بمنزلة استيفائه منها كما هو واضح ، ولذا يذكر في باب المهور انّ الزوجة إذا أبرأت ذمّة زوجها من المهر فطلّقها قبل الدخول رجع عليها بنصف المهر ، فلا وجه للتفكيك بين الذمّتين بالقياس إليه والقول بثبوته في ذمّة دون اُخرى .
وأمّا مع إبراء المضمون عنه ، فلأنّ مرجعه إلى إسـقاط الدَّين وإفراغ ذمّته منه ومعه فلا يبقى مجال لضمّ ذمّة اُخرى إليها فيه .
(2) فإنّ إرجاع الدَّين إلى ذمّة المضمون عنه ثانياً وفراغ ذمّة الضامن ، بعد الحكم بصحّة الضمان وانتقال الدَّين إلى ذمّة الضامن وفراغ ذمّة المضمون عنه بالمرّة ، يحتاج
ــ[414]ــ
للضامن فسخه حتى لو كان باذن المضمون عنه وتبيّن إعساره (1) كذا لا يجوز للمضمون له فسخه والرجوع على المضمون عنه ، لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره (2) .
بخلاف ما لو كان معسراً حين الضمان وكان جاهلاً بإعساره ، ففي هذه الصورة يجوز ((1)) له الفسخ على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، ويستفاد من بعض الأخبار أيضاً (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى الدليل وهو مفقود . ومقتضى أصالة اللزوم ، المستفادة من إطلاقات أدلّة صحّة العقود والعمومات، بقاء الحكم الأوّل على حاله .
(1) فضلاً عمّا لو كان ضماناً تبرعياً ومن غير إذن المضمون عنه .
(2) لعين ما تقدّم في سابقه .
(3) وهو موثقة الحسن بن الجهم ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات وله عليَّ دَين وخلّف ولداً رجالاً ونساءً وصبياناً، فجاء رجل منهم فقال: أنت في حلّ مما لأبي عليك من حصّتي، وأنت في حلّ مما لإخوتي وأخواتي وأنا ضامن لرضاهم عنك، قال: «يكون في سعة من ذلك وحلّ» قلت: فإن لم يعطهم ؟ قال : كان ذلك في عنقه . قلت: فإن رجع الورثة عليَّ فقالوا: اعطنا حقّنا؟ فقال: «لهم ذلك في الحكم الظاهر، فأمّا بينك وبين الله فأنت منها في حلّ إذا كان الذي حلّك يضمن لك عنهم رضاهم فيحمل لما ضمن لك». قلت: فما تقول في الصبي، لاُمّه أن تحلل؟ قال : «نعم ، إذا كان لها ما ترضيه أو تعطيه» . قلت : فإن لم يكن لها ؟ قال : «فلا» . قلت : فقد سمعتك تقول : إنه يجوز تحليلها ؟ فقال : «إنما أعني بذلك إذا كان لها» الحديث (2) .
وهي وإن كانت معتبرة سنداً ، إلاّ أنها أجنبية من حيث الدلالة عن المدّعى . فإنها واردة في تحليل بعض الورثة لحصّته من الدَّين بالفعل مع الالتزام بتحصيل رضا سائر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ولكن للمناقشة فيه مجال واسع ، وليس في المسألة رواية تدلّ على الخيار وجواز الفسخ .
(2) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 4 ح 1 .
ــ[415]ــ
الورّاث أيضاً ، وأين ذلك من الضمان الذي هو محل الكلام ؟ .
وبعبارة اُخرى : إنّ مورد المعتبرة هو التحليل وهو عقد قائم بين المدين وشخص آخر ، في حين إنّ مورد كلامنا هو الضمان الذي هو عقد قائم بين الدائن وشخص آخر ، فلا مجال لإثبات الحكم الثابت في أحدهما للآخر .
على أنّ هذه المعتبرة لو تمّت من حيث الدلالة في المقام ، فمن الواضح أنّ مقتضاها بطلان الضمان مع عدم الملاءة لا ثبوت الخيار ، وهو مما لا يقول به أحد .
على أنه لا بدّ من ردّ علم هذه المعتبرة إلى أهلها حتى موردها ـ التحليل ـ لأنها تضمّنت صحّة التحليل من الأجنبي وحصول فراغ الذمّة واقعاً به ، وهو أمر لا يمكن الالتزام به ، إذ التحليل من الأجنبي لا يعدو كونه تحليلاً فضولياً يتوقف على إجازة من له الأمر واقعاً .
إذن فلا مجال للتمسّك بالمعتبرة في المقام على كلّ تقدير ، فإنها لو تمّت دلالة وأمكن العمل بها في موردها ، فإثبات حكمها في المقام لا يعدو القياس .
هذا وقد استدلّ صاحب الجواهر (قدس سره) على المدّعى بما دلّ على اعتبار الملاءة في المحال عليه ، بدعوى أنّ الحوالة اُخت الضمان ، فيثبت فيه ما ثبت فيها (1) .
وهو ـ كما تراه ـ قياس محض . فإنّ الحكم بالخيار عند إعسار المحال عليه حين الحوالة مع جهل المحال إنما ثبت بالنصّ الخاص ، فالتعدّي عنها إلى غيرها لمجرّد اشتراكهما في جهة لا يخرج عن حدّ القياس .
على أنّ بينهما فرقاً واضحاً. فإنّ الحوالة معاملة قائمة بين الدائن والمدين، في حين إنّ الضمان معاملة بين الدائن وشخص ثالث، فالحوالة معاملة معاوضية بخلاف الضمان، فإنّ الدائن ـ في الحوالة على مشغول الذمّة ـ مشتر ما لعمرو مثلاً في ذمّة بكر بماله في ذمّة المدين .
بل وكذا لو كانت الحوالة على بريء الذمّة ، فإنها معاوضة وتبديل لذلك المبلغ في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 26 : 128 .
ــ[416]ــ
والمدار ـ كما أشرنا إليه ـ في الإعسار واليسار على حال الضمان، فلو كان موسراً ثمّ اُعسر لا يجوز له الفسخ (1) كما أنه لو كان معسراً ثمّ اُيسر يبقى الخيار(2) . والظاهر عدم الفرق في ثبوت الخيار مع الجهل بالإعسار ، بين كون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذمّة المحال عيه بماله في ذمّة المدين ، غاية الأمر أنّ المحال عليه لما كان بريء الذمّة بالنسبة إلى المحيل كان العقد فضولياً ومتوقفاً على إجازته .
ومن هنا فحيث إنّ العشرة مثلاً في ذمّة المعسر لا تساوي من حيث المالية بنظر العقلاء العشرة في ذمّة الموسر كما هو واضح ، والمعاملات مبنيّة على التساوي في المالية بحيث يكون ذلك من الشرط الضمني ، كان تخلّفه موجباً لثبوت الخيار على القاعدة ، على ما تقدّم بيانه مفصّلاً في مبحث خيار الغبن .
وأين هذا من الضمان الذي لا يعدّ من المعاوضات بالمرّة ، لأنه ليس إلاّ اشتغال ذمّة بلا عوض ومجاناً ، سواء في ذلك ما كان إذنياً أو تبرّعياً ، لأنهما لا يختلفان إلاّ من حيث جواز الرجوع على المدين الأوّل وعدمه .
والحاصل أنّ التعدي من الحوالة إلى الضمان قياس مع الفارق وإن اشتركا في جهة من الجهات .
وعلى ضوء ما تقدّم يظهر أنه لا دليل يمكن الاعتماد عليه في القول بالخيار في المقام .
ومن هنا فإن تمّ إجماع على ذلك فهو ، وإلاّ ـ كما هو الصحيح إذ غاية الأمر عدم وجدان الخلاف ـ فللمناقشة فيه مجال واسع ، ومقتضى أصالة اللزوم عدمه .
(1) لعدم شمول دليل الخيار ـ بناء على تماميته ـ للإعسار المتأخر ، فإنّ الإجماع غير ثابت فيه ، ومعتبرة الحسن بن الجهم ناظرة إلى حال الضمان ، والحكم في الحوالة مختصّ بالإعسار حينها أيضاً .
(2) وهو إنما يتمّ فيما إذا كان مستند الخيار في المقام هو معتبرة الحسن بن الجهم فإنه لا بأس بالتمسّك بإطلاقها ـ بعد تسليم دلالتها ـ لإثبات الخيار في الفرض أيضاً.
وأمّا إذا كان المستند هو الإجماع ، فالحكم بثبوت الخيار في المقام مشكل جدّاً
ــ[417]ــ
المضمون عنه أيضاً معسراً أوْ لا؟(1). وهل يلحق بالإعسار تبيّن كونه مماطلاً مع يساره في ثبوت الخيار أوْ لا؟ وجهان((1))(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظراً لكون القدر المتيقّن منه هو المعسر المستمر .
(1) لكونه أجنبياً عن العقد .
(2) من اختصاص أدلّة الخيار من الإجماع والنص وما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) بالإعسار ، فيكون التعدّي عنه محتاجاً إلى الدليل وهو مفقود ، ومقتضى أصالة اللزوم العدم .
ومن التمسّك بقاعدة نفي الضرر ، فإنّ الحكم بلزوم هذا العقد ضرري على الدائن فينفى بالقاعدة ، على ما مرّ تفصيله في خيار الغبن .
والأقوى هو الأوّل ، لما عرفته غير مرّة من اختصاص دليل «لا ضرر» بنفي الأحكام الضررية من الأحكام المجعولة في الشريعة المقدسة ،وعدم شموله للضرر الحاصل من فعل المكلّف نفسه ، كما أنه لا يتكفل جبر الضرر الحاصل كذلك .
وحيث إنّ مقامنا من هذا القبيل ، لأنّ المضمون عنه إنما وقع في الضرر نتيجة لفعل نفسه ، أعني رفع يده عن دَينه الثابت في ذمّة المدين في قبال اشتغال ذمّة الضامن به فلا يلزم الشارع المقدس تداركه بجعل الخيار له ، فإنّ دليل نفي الضرر قاصر الشمول عن مثل هذه الموارد .
على أنّ دليل نفي الضرر لو شمل المقام لكان لازمه الحكم ببطلان الضمان من رأس ، لا الحكم بصحّته مع ثبوت الخيار .
وتمام الكلام فيه موكول إلى محله .
إذن فالأظهر في المقام هو عدم الخيار حتى ولو قلنا بثبوته على تقدير ظهور إعساره فضلاً عن إنكاره ، كما هو المختار .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أوجههما العدم .
|