الثامن : كون الدَّين الذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه ، سواء كان مستقرّاً كالقرض والعوضين في البيع الذي لا خيار فيه ، أو متزلزلاً كأحد
ــ[404]ــ
العوضين في البيع الخياري، كما إذا ضمن الثمن الكلي للبائع أو المبيع الكلِّي للمشتري أو المبيع الشخصي ((1)) قبل القبض(1) وكالمهر قبل الدخول ونحو ذلك . فلو قال : أقرض فلاناً كذا وأنا ضامن ، أو بعه نسيئة وأنا ضامن ، لم يصحّ على المشهور (2) ((2)) بل عن التذكرة الإجماع ، قال : لو قال لغيره مهما أعطيت فلاناً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل أنّ الضمان في المقام غير مستعمل في معناه المصطلح . وعليه فلا مجال للإيراد عليه ، بأنه يتضمّن التعليق الباطل ، أو أنه من ضمّ ذمّة إلى اُخرى لا من نقل ما في ذمّة إلى ذمة اُخرى . وإنما هو مستعمل في التعهد والمسؤولية عن المال ، وهو أمر متعارف عند العقلاء ، فتشمله العمومات والإطلاقات ، فإنه عقد يجب الوفاء به .
(1) الظاهر أنّ ذكره من سهو قلمه الشريف ، فإنه لا محلّ له في مورد الكلام عن اعتبار الثبوت في الدَّين المضمون ، لأنه أجنبي عنه بالمرّة .
وكيف كان ، فإن كان المراد من ضمانه هو الضمان بالمعنى المصطلح ـ وإن كان احتماله بعيداً جدّاً ـ بمعنى جعل الشيء في عهدته عند تلفه وانتقاله من ذمة البائع إلى ذمة الضامن ، فهو باطل جزماً ، نظراً إلى أنّ التلف قبل القبض يوجب انفساخ العقد ورجوع المال إلى ملك مالكه البائع آناً ما كي يكون خسرانه عليه ، ومعه فلا يبقى موضوع للضمان .
وإن كان المراد به تعهّد الضامن بتسليم العين عند احتمال امتناع البائع عنه لا تعهّد تداركه عند تلفه ، فيجب عليه تسليم العين عند الإمكان وإلاّ فيلزم ببدلها ، فهو صحيح ولا بأس به ، حيث قد عرفت في المسألة السابقة أنّ مثل هذا الضمان من المرتكزات العرفية وواقع كثيراً في الأعيان الشخصية الخارجية والديون .
والحاصل أنّ أصل الحكم في المقام صحيح وفي محله ، إلاّ أن ذكره في المقام من سهو القلم ، لأنّ الكلام في اعتبار الثبوت في الدَّين عند ضمانه .
(2) على إشكال ستعرفه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا موقع لذكره في المقام ، فإنّ الكلام إنّما هو في ضمان الدَّين .
(2) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك ، ولا يبعد تفرّع هذا الشرط على سابقه .
ــ[405]ــ
فهو عليّ ، لم يصحّ إجماعاً . ولكن ما ذكروه من الشرط ينافي جملة من الفروع الآتية .
ويمكن أن يقال (1) بالصحّة إذا حصل المقتضي للثبوت وإن لم يثبت فعلاً ، بل مطلقاً ، لصدق الضمان وشمول العمومات العامة ، وإن لم يكن من الضمان المصطلح عندهم (2) بل يمكن مع عدم كونه منه أيضاً .
التاسع : أن لا تكون ذمّة الضامن مشغولة للمضمون عنه بمثل الدَّين الذي عليه ، على ما يظهر من كلماتهم في بيان الضمان بالمعنى الأعم ، حيث قالوا إنه بمعنى التعهد بمال أو نفس . فالثاني الكفالة . والأوّل إن كان ممن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة ، وإن لم يكن فضمان بالمعنى الأخصّ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إلاّ أنه لا يتمّ بناءً على مذهبنا في الضمان وأ نّه نقل ذمّة إلى اُخرى ، فإنه إذا لم تكن الذمة الاُولى مشغولة بشيء لم يكن لنقله إلى ذمة اُخرى معنى محصل ، ومعه كيف يمكن التمسك بالإطلاقات لإثبات صحّته .
نعم، لا يبعد تفرّع هذا الشرط أعني ثبوت الدين في الذمّة بالفعل، على الشرط السابق أعني التنجيز. فإنه لو لم نقل باعتبار التنجيز كما احتملناه ، أمكن التمسك بالإطلاقات والحكم بصحة الضمان في المقام وبمعناه المصطلح على نحو الضمان المتأخر بأن يكون الإنشاء فعلياً والانتقال بعد الدَّين والإعطاء ، فالضامن في الحقيقة إنما ينشأ الانتقال إلى ذمّته بعد الدَّين من الآن .
والحاصل أنه إن تمّ إجماع على اعتبار التنجيز في الضمان ، فلا محيص عن الحكم بالبطلان في المقام ، وإلاّ فلا بأس بالتمسك بالإطلاقات وإثبات صحّة الضمان بمعناه المصطلح . وحيث إنّ الماتن (قدس سره) ممن يعتبر التنجيز ، فلا وجه لتمسّكه بالإطلاقات في المقام .
(2) بأن يكون بمعنى التعهد بالدَّين المتأخر على حدّ التعهد بالأعيان الخارجية .
ــ[406]ــ
ولكن لا دليل على هذا الشرط (1) . فإذا ضمن للمضمون عنه بمثل ما له عليه يكون ضماناً ، فإن كان بإذنه يتهاتران ((1)) بعد أداء مال الضمان(2) وإلاّ فيبقى الذي للمضمون عنه عليه ، وتفرغ ذمّته مما عليه بضمان الضامن تبرّعاً. وليس من الحوالة، لأنّ المضمون عنه على التقديرين لم يحل مديونه على الضامن حتى تكون حوالة. ومع الإغماض عن ذلك ، غاية ما يكـون أنه يكون داخـلاً في كلا العنوانين ، فيترتب عليه ما يختصّ بكلّ منهما مضافاً إلى ما يكون مشتركاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فإنّ الحوالة والضمان يختلفان في الطرفين المقوِّمين لهما . حيث إنّ الأوّل يتقوّم بالمحيل والمحال، فتبرأ ذمّة الأوّل بمجرد الحوالة على مشغول ذمّة له ، من غير دخل لرضا المحـال عليه في ذلك. في حين إنّ الضمان يتقوّم برضا الضامن ، والمضمون عنه هو الأجنبي عن العقد حيث تفرغ ذمته عن الدَّين بالضمان ، سـواء أرضيَ به أم لم يرض .
والحاصل أنّ مع اختلاف طرفي العقد المقوِّمين له في الموردين ـ الضمان والحوالة ـ لا مجال للقول باتحادهما ودخول أحد العنوانين في الآخر ، خصوصاً إذا كان الضمان تبرّعياً ولم يكن عن رضا المضمون عنه .
إذن فمجرّد اشتغال ذمّة الضامن للمضمون عنه بمثل الدَّين الذي ضمنه ، لا يعني دخول العقد في عنوان الحوالة .
(2) هذا إذا كان الدَّينان ـ ما في ذمّته للمضمون عنه، وما كان للمضمون على المضمون عنه ـ حالين معاً أو مؤجلين مع وحدة الأجل فيهما ، وإلاّ فلا مجال للتهاتر لعدم تساوي الدَّينين . ومن هنا فلو كان ما عليه للمضمون عنه مؤجّلاً ، وقد ضمن ما على المضمون عنه حالاً بأمره ، كان له الرجوع عليه بما ضمنه بالفعل ، وتبقى ذمته مشغولة بالدَّين إلى الأجل المعين .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا إذا كان كلاهما حالين أو كلاهما مؤجَّلين بمدة متساوية ، وإلاّ فلا وجه للتهاتر .
ــ[407]ــ
العاشر : امتياز الدَّين والمضمون له والمضمون عنه عند الضامن ، على وجه يصحّ معه القصد إلى الضمان. ويكفي التميز الواقعي وإن لم يعلمه الضامن(1) فالمضرّ هو الإبهام والترديد . فلا يصحّ ضمان أحد الدَّينين ولو لشخص واحد على شخص واحد على وجه الترديد مع فرض تحقق الدَّينين ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد ، ولا ضمان دين لأحد الشخصين ولو على واحد .
ولو قال: ضمنت الدين الذي على فلان، ولم يعلم أنه لزيد أو لعمرو، أو الدَّين الذي لفلان ، ولم يعلم أنه على زيد أو على عمرو، صحّ((1)) (2) لأنه متعيّن واقعاً. وكذا لو قال: ضمنت لك كل ما كان لك على الناس، أو قال: ضمنت عنك كلّ ما كان عليك لكلّ من كان من الناس.
ومن الغريب ما عن بعضهم ، من اعتبار العلم بالمضمون عنه والمضمون له بالوصف والنسب ، أو العلم باسمهما ونسبهما . مع أنه لا دليل عليه أصلاً ، ولم يعتبر ذلك في البيع الذي هو أضيق دائرة من سائر العقود .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهو إنما يتمّ فيما إذا لم يستلزم فقدان شرط آخر .
ومنه يظهر الإشكال في بعض الصور الآتية مما حكم فيها الماتن (قدس سره) بالصحّة ، نظير الجهل بالمضمون له وأنه زيد أو عمرو ، أو ضمان ما للناس عليه . فإنه إنما يصحّ مع انحصار المضمون له في أشخاص وقبولهم للضمان ، وإن لم يميّز المضمون له بشخصه ، وإلاّ فالحكم بالصحّة مشكل جداً ، نظراً لاعتبار رضا المضمون له بالعقد جزماً ، فإنه طرف من طرفي العقد في الضمان ، فلا يصحّ من دون رضاه .
إذن فما ذكره (قدس سره) من كفاية التعين الواقعي ، إنما يتمّ مع إحراز سائر الشروط المعتبرة في الضمان .
(2) على إشكال تقدّم بيانه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا مع قبول المضمون له ، وإلاّ فلا يصح ، وبذلك يظهر حال ما بعد هذا الفرع .
|