ــ[196]ــ
[ 3482 ] مسألة 3 : لو اقتلعا شجرة ، أو اغترفا ماءً بآنية واحدة ، أو نصبا معاً شبكة للصيد ، أو أحييا أرضاً معاً ، فإن ملّك كل منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه بالتساوي ، وإلاّ فلكل منهما بنسبة عمله ولو بحسب القوّة والضعف. ولو اشتبه الحال، فكالمسألة السابقة(1). وربّما يحتمل التساوي((1)) مطلقاً (2) لصدق اتحاد فعلهما في السببية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدار الزيادة ، إذا كان استحقاق الآتي بالزيادة من جهة الجعالة لا بأصل الإجارة وأما إذا كان بأصل الإجارة كما ذهب إليه الماتن (قدس سره) ، فالرجوع إلى القرعة إنما يكون فيما إذا كانت أطرافها معلومة . وأما مع جهالتها ، كما لو كثرت جداً بأنْ دار أمر الزيادة بين جزء من ألف جزء إلى مائة جزء من ألف جزء ، فحيث لا يمكن تعيين المحتمل بالقرعة ، فلا محيص عن الرجوع إلى الصلح القهري وإن لم يمكن الاختياري منه .
(1) من الحمل على التساوي عند احتماله ، والقرعة أو الصلح القهري عند العلم بالزيادة . وقد تقدّم الكلام فيه آنفاً .
(2) ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) ، لاستناد الفعل إليهما معاً ، ومن دون ترجيح في ذلك لأحدهما على الآخر (2) .
وما أفاده (قدس سره) صحيح في الجملة لا مطلقاً ، فإنه لا بدّ من التفصيل في هذه الموارد وموارد الجعالة مما تكون الملكيّة مسببة عن العمل الخارجي ، بين كون العمل الصادر من الاثنين مركباً ذا أجزاء ، وبين كونه بسيطاً لا جزء له .
ففي الأوّل كالكتابة والخياطة والبناء ، لا محيص عن الالتزام بملكية كل منهما بنسبة عمله ، ولا وجه للتنصيف بعد فرض اختلاف مقدار عمل أحدهما عن الآخر .
وفي الثاني يتمّ ما أفاده (قدس سره) ، إذ العمل الواحد البسيط مستند إليهما معاً لا محالة على حد سواء وإن كان أحدهما أقوى من الآخر ، إذ لولا كل منهما لما تحقّق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يبعد ذلك .
(2) الجواهر 26 : 290 .
ــ[197]ــ
واندراجهما في قوله : «من حاز ملك»((1)) (1) وهو كما ترى .
[ 3483 ] مسألة 4 : يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقدية ـ مضافاً إلى الايجاب والقبول ، والبلوغ والعقل، والاختيار، وعدم الحجر لفلس أو سفه ـ امتزاج المالين(2) سابقاً على العقد أو لاحقاً ، بحيث لا يتميّز أحدهما من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نهائياً . ففي مثل القلع واغتراف مقدار معين من الماء دفعة وما شاكلهما ، لا يتحقق هذا الفعل الوحداني إلاّ بهما معاً ، فهو مستند إليهما وحاصل بفعلهما معاً ، ومن هنا يشتركان في ملكيّته على حد سواء وإن كان أحدهما أقوى من صاحبه . وكذا الحال في الصيد فإنّ نصب الشبكة المؤدي إلى الاستيلاء على السمكة أثر وحداني بسيط يستند إليهما على حدّ سواء ، وإن اختلفا في نسبة صنعها فإنه لا أثر له .
وعلى ما ذكرنا جرى الأصحاب في موارد الضمانات وغيرها . فذكروا أنه إذا أتلف اثنان مال ثالث ضمناه بالسوية ، بحيث يكون على كلّ منهما نصف قيمته مطلقاً ، وإن كان فعل أحدهما أقوى من صاحبه ، كما لو كانت ضربته أقوى من ضربة الآخر . وذكروا أيضاً أن القاتلين لثالث يشتركان في قصاصه أو ديته ، وإن كان القتل حاصلاً من ضربة واحدة من أحدهما وضربتين من الآخر .
وليس ذلك إلاّ لكون الإتلاف والقتل فعلاً بسيطاً مستنداً إليهما على حد سواء .
فكلامهم (قدس سرهم) هذا في أبواب الضمانات والقصاص والديات يشهد بما اخترناه ، من الحكم بالتنصيف مع بساطة الفعل فيما نحن فيه من موارد سببية الفعل للتملك ، لوحدة المناط في المقامين ، وهو كون الفعل الصادر سبباً لأثر يرتبط بفاعله .
(1) هذه الجملة وإن لم ترد في النصوص ، إلاّ أن أصل الحكم متسالم عليه بينهم ويدلّ عليه قولهم (عليهم السلام) : «للعين ما رأت ولليد ما أخذت» .
(2) والكلام فيه ينبغي أن يقع في مقامين :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذه الجملة لم نعثر عليها في الروايات بل الوارد فيها قوله (عليه السلام) : «للعين ما رأت ولليد ما أخذت» .
ــ[198]ــ
الأوّل : في مقام الثبوت ، وإمكان أخذ الامتزاج شرطاً في الشركة العقدية .
الثاني : في مقام الإثبات ، والدليل على اعتبار هذا الشرط .
أمّا المقام الأوّل : فإن كان مرادهم (قدس سرهم) من الامتزاج في كلماتهم هو الامتزاج المتقدِّم في أوّل هذا الفصل والذي يكون سبباً للشركة القهرية ، سواء أحصل عن الاختيار والقصد أم لا ، كمزج الدهن بالدهن ، فلا يعقل كونه شرطاً في الشركة العقدية . لأنه إن تقدّم على العقد ، كان هو تمام السبب في تحقّقها ، ولا يكون العقد من بعده إلاّ كوضع الحجر في جنب الانسان. وإن تأخر عنه، كان العقد لغواً محضاً، لتحقّق الشركة بالمزج ، سواء سبقه العقد أم لم يسبقه .
ودعوى أنّ المزج المتأخر يكون كاشفاً عن تحقّق الشركة بالعقد السابق ، فلا يكون لغواً ، على ما احتمله صاحب الجواهر (قدس سره) (1) .
تكلف بلا موحب ، وحمل لكلماتهم على خلاف ظاهرها ، فإنّ ظاهر كلمات المعتبرين للمزج عدم تحقق الشركة إلاّ بعده ، ومن هنا فلا موجب لحمله على الكاشفية ، بل هو شرط مقارن في نظرهم . ومعه فيرد عليه أنه تمام السبب لها ، وبذلك فلا يكون العقد السابق إلاّ لغواً محضاً .
نعم ، لو كان مرادهم (قدس سرهم) من المزج غير ذلك ، بأن أرادوا به ما يوجب الشركة الظاهرية على ما التزم به الماتن (قدس سره) ، كمزج الدرهم بمثلها ، فهو أمر معقول ولا بأس به .
ولعله هو مراد الجماعة من الامتزاج ، لا سيما من لم يشترط فيه اتحاد الجنس والوصف ، بأن يقال بأنّ الامتزاج هذا وإن لم يكن موجباً للشركة الواقعية ، إلاّ أنه حيث لحق العقد أو لحقه العقد أوجب الشركة بينهما حقيقة .
أمّا المقام الثاني : فالظاهر عدم انعقاد الإجماع على اعتباره ، وإن ورد ذلك في كلمات بعض كالعلاّمة (قدس سره) (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 26 : 291 ـ 292 .
(2) مختلف الشيعة 6 : 201 .
ــ[199]ــ
الآخر ، من النقود كانا أو من العروض . بل اشترط جماعة اتحادهما في الجنس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذي يكشف عن صحّة ما ذكرناه عدم تعرّض أكثر القدماء من الأصحاب لهذه المسألة بالمرّة ، إذ لم يرد في كلمات كثير منهم ذكر لها .
نعم ، تعرض لها جملة منهم ، إلاّ أن عباراتهم قاصرة عن إثبات الإجماع على اعتبار الامتزاج .
فقد ذكر القاضي (قدس سره) في (الجواهر) أن صحّة الشركة مع الامتزاج إجماعي ، ولا إجماع على صحتها مع عدمه(1) . وعبارته (قدس سره) كما تراها قاصرة عن إثبات الإجماع على اعتبار الامتزاج في صحة الشركة العقدية ، إذ غاية ما تدل عليه هو انعقاد الإجماع على صحة الشركة مع الامتزاج ، لا بطلانها مع عدمه ، وبينهما بون بعيد .
ومثله المحكي عن الشيخ (قدس سره) (2) .
واعتبر ابن زهرة (قدس سره) في الغنية الامتزاج، إلاّ أنه لم يتعرّض لدعوى الإجماع على اعتباره(3) .
نعم، تعرض ابن حمزة (قدس سره) في الوسيلة إلى هذا الشرط واعتبره ، وادّعى عليه الإجماع(4).
إلاّ ان الشهيد (قدس سره) في اللمعة ، والمحقق (قدس سره) في الشرائع ، لم يتعرضا له بالمرة ، وإنما ذكرا أن المزج سبب قهري للشركة ، سواء أحصل بالاختيار أم لا به(5) . وهو كما تراه أجنبي عن محل الكلام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 26 : 299 .
(2) الخلاف 3 : 327 .
(3) الغنية : 261 .
(4) الوسيلة : 262 .
(5) الشرائع 2 : 150 ، اللمعة الدمشقية 4 : 197 .
ــ[200]ــ
والوصف . والأظهر عدم اعتباره (1) بل يكفي الامتزاج على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه ، أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر ، بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير .
وذلك للعمومات العامّة ، كقوله تعالى : (أَوْفُوا بالعُقُودِ) . وقوله (عليه السلام) : «المؤمنون عند شروطهم» وغيرهما .
بل لولا ظهور الاجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقاً ، عملاً بالعمومات . ودعوى عدم كفايتها لإثبات ذلك ، كما ترى . لكن الأحوط مع ذلك أن يبيع كل منهما حصّة مما هو له بحصة مما للآخر ، أو يهبها كل منهما للآخر أو نحو ذلك ، في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقن .
هذا ويكفي في الايجاب والقبول كل ما دلّ على الشركة من قول أو فعل . ــــــــــــــــــــــــ
هذا وقد صرح صاحب الحدائق (قدس سره) بعدم الدليل على اعتبار اتحاد الجنس والوصف والامتزاج ، واعتبره منافياً لإطلاقات الآيات الكريمة والنصوص الشريفة (1) .
والذي يتحصل مما تقدّم أنه لا طريق لإحراز الإجماع التعبدي على اعتبار الامتزاج . وحينئذ فمقتضى القاعدة ، كما مال إليه الماتن (قدس سره) ، هو القول بعدم اعتباره في الشركة بقول مطلق .
(1) لأنه وإن ذكر في كلمات بعضهم ، إلاّ أن جملة منهم كالشيخ (قدس سره) لم يعتبره صريحاً . ومن هنا فإثباته بالدليل مشكل جداً ، لفقدان الدليل اللفظي ، وعدم تمامية الإجماع ، بل ومخالفته للعمومات . ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 21 : 154 .
|