الفرع الرّابع : هل يجوز له ذبح الحمير والبغال والخيول إذا دعت الحاجة إلى ذبحه والانتفاع بجلده
وإن لم يؤكل لحمه ، كما ورد في حديث أنّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) مرّ بشاة ميتة فقال (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) : «ما كان على أهلها إذا لم ينتفعوا
ــ[297]ــ
بلحمها أن ينتفعوا باهابها ؟ » (1) .
وبعبارة اُخرى ، جواز ذبح الأهلي هل يختص بما يطلب أكله أو يعم ما يطلب ظهره ؟
مقتضى إطلاق كلمات بعضهم من حلية الأهلي شموله للحمير وأخويه ، ولكن كلام المحقق(2)
حيث استثنى خصوص النعم والدجاج ربّما يوهم الاختصاص بها .
ويمكن القول بأنّ المحقق ليس في مقام ذكر ما يختص بالنعم ، فإنّ المحرّم هو صيد البر أي الحيوان
الممتنع ، وما عدا الحيوان الممتنع يشمل مطلق الأهلي ، فذكر النعم والدجاج من باب المثال .
وكيف كان الظاهر هو الجواز وإن كان صحيح معاوية مطلقاً يشمل جميع الحيوانات ، والمخصّص
إنّما هو الأنعام والدجاج ، فنحتاج في الخروج عن العموم الوارد في صحيح معاوية بن عمار بالنسبة
إلى الخيول وأخويها إلى دليل بالخصوص .
ولكن قد عرفت قريباً أنّ المخصص لا ينحصر بالأنعام ، بل ورد مخصص آخر وهو الكلية المستفادة
من النصوص ، وأنّ كلّ ما جاز قتله للمحل في الحرم يجوز ذبحه للمحرم ، ولا ريب في جواز قتل ذلك
للمحل في الحرم ، لأنّ الّذي يحرم عليه الحيوان الّذي دخل من الخارج إلى الحرم والتجأ إليه فإنّه آمن
لقوله تعالى : (... وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنَاً ...)(3) وكذلك الصّيد ، وشيء منهما غير صادق على
الخيول والبغال والحمير على الفرض ، فلا مانع للمحل في الحرم من ذبح ذلك ، فإذا جاز له جاز
للمحرم .
نعم ، هنا رواية واحدة تدل على اختصاص الجواز بالأنعام والدجاج(4) فلا يجوز غيرها للمحرم
أيضاً ، والمرجع حينئذ إطلاق المعتبرة الناهية عن كل حيوان ، ولكن الرواية ضعيفة سنداً بسهل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 502 / أبواب النجاسات ب 61 ح 2 .
(2) الشرائع 1 : 325 .
(3) آل عمران 3 : 97 .
(4) الوسائل 12 : 549 / أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 5 .
ــ[298]ــ
وبالجملة : وقع الكلام بين الفقهاء فيما يجوز للمحرم ذبحه ، فبعضهم خصّ الحكم بالجواز بالدجاج
والنعم كالمحقق في الشرائع (1) ، فغير ذلك داخل تحت عموم المنع . وبعضهم عبّر بالأهلي فيشمل
مثل الحمير والبغال والخيول ، وذكرنا أ نّه بناءً على عدم الإختصاص بالدجاج والنعم يجوز قتل مطلق
الأهلي وإن لم يطلب لحمه كالحمير .
وكذلك يجوز قتل المتولّد من الوحشي الأصلي المتأهّل بالعرض ، فما يجوز ذبحه لا ينحصر بالنعم
والدجاج .
وأمّا رواية سهل الحاصرة بذلك فضعيفة السند .
نعم ، روى الصدوق بسند صحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال
: «لا يذبح في الحرم إلاّ الإبل والبقر والغنم والدجاج» (2) .
وروى عنه في الوافي كذلك (3) ، ومقتضاه الإختصاص بالمذكورات ، ولكن الوسائل روى عن
الشيخ بنفس السند أ نّه قال : «تذبح في الحرم الإبل والبقر والدجاج» (4) ثمّ قال : ورواه الصدوق
بإسناده عن ابن مسكان مثله ، فيعلم أنّ نسخة الفقيه الّتي كانت عند صاحب الوسائل مطابقة لرواية
الشيخ ، فلا يمكن الاعتماد على نسخ الفقيه الموجودة بين أيدينا .
ولو اغمضنا عن ذلك والتزمنا بإشتباه صاحب الوسائل والتزمنا بصحّة نسخ الفقيه المطبوعة المتداولة
فتكون رواية الصدوق مخالفة لرواية الشيخ فهما متنافيـان ولا يحتمل صحّتهما معاً ، ولا وجه لتقدّم
رواية الصدوق على رواية الشيخ وإن كان الصدوق أضبط ، لأن كلاّ منهما واجد لشرائط الحجية
فيتعارضان .
ومع قطع النظر عن ذلك أيضاً ، وفرضنا أنّ الرّواية منحصرة برواية الصدوق أيضاً لا يمكن الأخذ
بها ، لمنافاتها للكلية المذكورة المسـتفادة من النصوص ، وهي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشرائع 1 : 325 .
(2) الفقيه 2 : 172 / 755 .
(3) الوافي 12 : 124 / 11653 .
(4) الوسائل 12 : 548 / أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 1 .
ــ[299]ــ
جواز الذبح للمحرم كلّما يجوز ذبحه للمحل في الحرم ، فإنّ الكلية المذكورة صريحة في شمولها لغير النعم
فيبطل الحصر الوارد في رواية الصدوق ، فإذا بطل الحصر نرجع في الحكم بالجواز إلى عموم ما دلّ
على جواز ذبح كلّما يجوز ذبحه للمحل في الحرم غير الصّيد وغير المستجير ، للمحرم .
فتحصل : أ نّه يجوز ذبح هذه الحيوانات للمحرم للانتفاع بجلدها بل بلحمها عندنا .
|