لو خالف الأجير وحاز لنفسه - هل يعتبر قصد التملّك في حيازة المباحات ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 16:الإجارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6183


ــ[349]ــ

وكذا في حيازة الحطب والحشيش . نعم ، لو قصد المؤجّر كون المحوز لنفسه(1) فيحتمل القول بكونه له ويكون ضامناً للمستأجر عوض ما فوّته عليه من المنفعة، خصوصاً إذا كان المؤجّر آجر نفسه على وجه يكون تمام منافعه في اليوم الفلاني للمستأجر، أو تكون منفعته من حيث الحيازة له، وذلك لاعتبار النيّة في التملّك بالحيازة، والمفروض أ نّه لم يقصد كونه للمستأجر بل قصد نفسه ، ويحتمل القول بكونه للمستأجر ، لأنّ المفروض أنّ منفعته من طرف الحيازة له ، فيكون نيّة كونه لنفسه لغواً ، والمسألة مبنيّة على أنّ الحيازة من الأسباب القهريّة لتملّك الحائز ولو قصد الغير، ولازمه عدم صحّة الاستئجار لها ، أو يعتبر فيها نيّة التملّك ودائرة مدارها ، ولازمه صحّة الإجارة وكون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه وإن كان أجيراً للغير ، وأيضاً لازمه عدم حصول الملكيّة له إذا قصد كونه للغير من دون أن يكون أجيراً له أو وكيلاً عنه وبقاؤه على الإباحة ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضمان القيمة في مثل الحطب والحشيش ونحوهما .

   (1) الجهة الثانية :  بعدما عرفت من صحّة الإجارة فلو كان أجيراً في عامّة المنافع أو خصوص منفعة الحيازة فخالف وحاز لنفسه ، فهل يكون المحوز له ، ويضمن للمستأجر قيمة ما أتلفه عليه من منفعة الحيازة المملوكة له نظراً إلى أ نّه يعتبر في التملّك بالحيازة قصد التملّك وحيث لم يقصد إلاّ نفسه فلا جرم كان المحوز له ؟

   أو أ نّه يكون للمستأجر باعتبار أ نّه هو المالك للحيازة بمقتضى الإجارة فيلغو نيّة كونه للحائز نفسه ؟

ــ[350]ــ

إلاّ إذا قصد بعد ذلك كونه له ، بناءً على عدم جريان التبرّع في حيازة المباحات والسبق إلى المشتركات وإن كان لايبعد جريانه، أو أ نّها من الأسباب القهريّة لمن له تلك المنفعـة ، فإن لم يكن أجيراً يكون له وإن قصد الغير فضولاً ، فيملك بمجرّد قصد الحيازة ، وإن كان أجيراً للغير يكون لذلك الغير قهراً وإن قصد نفسه أو قصد غير ذلك الغير ، والظاهر عدم كونها من الأسباب القهريّة مطلقاً . فالوجه الأوّل غير صحيح ، ويبقى الإشـكال في ترجيح ((1)) أحد الأخيرين ، ولا بدّ من التأمّل .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فيه وجهان ، وقد توقّف الماتن ولم يرجّح أحدهما على الآخر .

   أقول :  يقع الكلام تارةً في اعتبار قصد التملّك في حدّ نفسه ، واُخرى في أ نّه على تقدير الاعتبار فهل يعتبر أيضاً قصد من تكون الملكيّة له ؟ أو أ نّه يكفي في الحيازة قصد التملّك في الجملة في مقابل عدم القصد رأساً .

   ربّما يقال باعتبار قصد التملّك في حيازة المباحات فلا ملكيّة بدونه ، ويستدلّ له بما ثبت بالنصّ والفتوى من أنّ من اشترى سمكة فأخرج من جوفها درّة فهي للمشتري دون البائع (2) .

   قالوا :  إنّ في ذلك دلالة واضحة على اعتبار القصد المزبور ، وإلاّ لكانت للبائع، فإنّه الذي استخرج السمكة وحازها كيف يكون ما في جوفها للمشتري؟ بَيْدَ أ نّه لمّا لم يقصد تملّك الدرّة لدى اصطياد السمكة لأجل غفلته عن وجودها وقد تملّكها المشتري المستولي عليها، فمن ثمّ كانت ملكاً له دون البائع، فيستكشف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد أن يكون الوجه الأخير هو الأرجح .

(2) الوسائل 25 : 453 / كتاب اللقطة ب 10 ح 2 .

ــ[351]ــ

من ذلك اعتبار قصد التملّك في ملكيّة المباحات لدى حيازتها .

   وربّما يجاب عن ذلك : بأنّ البائع قد ملك الدرّة بحيازة السمكة ولكنّه ببيعه نقل إلى المشتري تمام ما جاز وإن أخطأ في التطبيق وتخيّل أنّ تمامه هي السمكة وحدها، فملكيّة المشتري لها لا يكشف عن اعتبار القصد المزبور بوجه.

   ولكنّك خبير بما في هذا الجواب ، ضرورة أنّ البائع بعد أن لم يكن ملتفتاً إلى وجود الدرّة كيف يصحّ القول بأ نّه قصد بيعها ولو تبعاً ؟! بل أ نّه لم يقصد إلاّ بيع السمكة وحدها سيّما بعد وضوح أنّ ما في الجوف من المجهول المطلق الذي لم يعلم وجـوده ولا ماهيته ، فكيف يمكن القـول بأ نّه ملّك المشـتري تمام ما حازه ؟! كما أنّ المشتري لم يشتر إلاّ السمكة خاصّة ، فلم يتعلّق قصد للمعاملة بالإضافة إلى ما في الجوف لا من ناحية البائع ولا المشتري .

   فالمقام نظير ما لو ورث من أبيه صندوقاً فيه جوهرة ثمينة لم يعلم بها فباع الصندوق بزعم أ نّها فارغة ، أفهل يمكن القول بانتقال الظرف والمظروف معاً إلى المشتري بدعوى أ نّه باع تمام ما ورثه مع عدم تعلّق القصد ببيع المظروف بوجه من الوجوه ؟!

   بل الصحيح في الجـواب أن يقال : إنّ النصّ المشـار إليه لا دلالة فيه على اعتبار قصد التمـلّك ، بل قصارى ما يدلّ على اعتبار قصد الحيازة ، وبما أنّ الصائد البائع لم يعلم بما في الجوف فهو طبعاً لم يقصد حيازته ، ولا بدّ من قصد الحيازة في تملّك المباحات ، فلو استولى على مباح حال نومه فحازه لم يكف في تملّكه قطعاً ، وذاك بحث آخر غير مسألة اعتبار قصد التملّك الذي نحن بصدده .

   ففرقٌ بين أن تكون الحيازة مقصودة وأن يكون التملّك مقصوداً ، وكلامنا في الثاني ، أمّا الأوّل فلعلّه لا ينبغي الاستشكال فيه وهو أجنبي عن محلّ الكلام .

   وعليه ، فلا مقتضي لردّ المشتري الدرّة إلى البائع ، لعدم كونه مالكاً لها بعد

ــ[352]ــ

أن لم يكن قاصداً لحيازتها ولو لأجل غفلته عن تحقّقها ، فهي باقية بعد على إباحتها الأصـليّة ، وبما أنّ المشـتري استولى عليها وحازها فلا جرم كان هو المالك لها .

   إذن فالظاهر عدم الدليل على اعتبار قصد التملّك في ملكيّة المباحات بالحيازة، بل هي بنفسها ـ بعد القصد إليها ـ سبب قهري ولو من دون القصد المزبور .

   ويرشدك إلى ذلك ـ مضافاً إلى اطلاق معتبرة السكوني المتقدّمة (1) ـ ملاحظة السيرة العقلائيّة ، فلو شاهد أحدٌ صيداً من طير أو غزال فتخيّل أ نّه ملك زيد قد طار من وكره أو هرب من مقرّه فأخذه بقصد الردّ إلى صاحبه فظهر خطؤه وأ نّه مباح لم يسبقه إليه أحد ، أفهل يحتمل التردّد في استقرار السيرة على ملكيّته له بشبهة أ نّه لم يأخذه بقصد التملّك بل بقصد الردّ إلى صاحبه ؟

   ونحوه ما لو أخذ في طريقه شيئاً من أغصان الأشجار المباحة لا بقصد التملّك، بل لأجل قضاء حاجته الوقتيّة في سفره من جعلها سريراً لمنامه ـ  مثلاً  ـ ثمّ طرحها في البيداء ، أفهل يمكن القول بعدم ملكيّته لها لمجرّد عدم قصد التملّك ؟ فلو أخذها منه غيره لم يكن به بأس ، لبقائها على إباحتها الأصليّة ، ليس الأمر كذلك قطعاً ، بل من الضروري قيام السـيرة العقلائيّة على ملكيّته لها قهراً بمجرّد قصد الاستيلاء عليها وأن تكون تحت سلطانه ولو مؤقّتاً ، سواء أقصد التملّك أيضاً أم لا .

   ثمّ إنّا لو تنازلنا وسلّمنا اعتبار قصد التملّك فغايته اعتبار أصل القصد ـ  في مقابل عدمه  ـ وأمّا خصوصيّة من قصد له التملّك فلا مدخل لها ولم يقم أيّ دليل على اعتبارها ، فلو حاز بقصد التملّك لابنه أو جاره أو صديقه كان ملكاً لنفس الحائز المباشر وإن لم يقصد نفسه آخذاً، بإطلاق المعتبرة كإطلاق السيرة،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 347 .

ــ[353]ــ

فإنّهما يقتضيان عدم اعتبار ذلك كما لا يخفى .

   فالمقام أشبه شيء بما ذكرناه تبعاً للشيخ في بحث المكاسب (1) من أنّ البيع متقوّم بمبادلة مال بمال ولا يعتبر في مفهومه قصد من يقع البيع له ، بل ينتقل الثمن إلى ملك من ينتقل عنه المثمن أيّاً من كان ، فقصد البائع أن يكون البيع لفلان أو عن نفسه أجنبي عن حريم صحّة البيع بتاتاً .

   ومن ثمّ يحكم بصحّة بيع الغاصب عند تعقّبه بالإجازة من المالك ، وأنّ قصد الغاصب البيع عن نفسه لا أثر له ولا مدخل له في الصحّة ، بل هو لغو محض ، وإنّما الإجازة تتعلّق بنفس البيع .

   والملكيّة في المقام شبيهة بما ذكر ، حيث إنّها تترتّب على نفس الحيازة ، أي الأخذ بقصد التملّك، وأمّا خصوصيّة مَن قصد له فلا مدخل لها في سببيّة الحيازة، بل مقتضى إطلاق المعتبرة والسيرة سببيّتها لملكيّة الآخذ الحائز وإن قصد غيره فإنّ هذا القصد يلغى ولا أثر له .

   ونتيجة ذلك : أ نّه في محلّ الكلام لا أثر لقصد من استؤجر للحيازة التملّك لنفسه، إذ بعد أن كانت الحيازة ملكاً للمستأجر بمقتضى صحّة الإجارة فلا جرم كان هو الآخذ والحائز ، وإنّما الأجير كآلة محضة على ما سبق ، وقد عرفت تبعيّة الملكيّة للحيازة، وبما أنّ المستأجر هو الحائز فطبعاً يكون هو المالك للمحوز، وقصد الأجير عن نفسه يصبح لغواً محضاً .

   ثمّ إنّ محلّ الكلام على ما يظهر من جملة من عباراته (قدس سره) ما إذا كان المستأجر مالكاً للحيازة الخارجيّة ، إمّا بأن يكون مورد الإجارة جميع المنافع ، أو خصوص منفعة الحيازة ، فيملك على الأجير شخص المنفعة الصادرة منه خارجاً من صيد أو احتطاب أو استقاء ونحوها كما هو المتعارف في مثل الإجارة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 7 وما بعدها .

ــ[354]ــ

على البناية ، فيستأجره على نفس هذه المنفعة الخاصّة القائمة به في هذا اليوم مثلاً .

   وأمّا لو آجر نفسه على كلّي في الذمّة ، كأن يستقي في هذا اليوم خمسين دلواً من البئر الفلانيّة ، أو يأتي بقربتين من الشطّ ، أو حملين من الحطب ، وهكذا ممّا هو كلّي طبيعي مستقرّ في الذمّة قابل للانطباق على أفراد عديدة ، فلا ينبغي الشكّ حينئذ في دخالة القصد في تعيين مالك المحوز ، لكون أمر التطبيق بيد الحائز المباشر بعد أن لم تكن عمليّة الحيازة مملوكة لغيره ، فله الاستقاء ـ مثلاً ـ لغيره وفاءً عمّا في ذمّته ، المترتّب عليه كون الماء المحوز ملكاً حينئذ للمستأجر ، كما أنّ له الاستقاء لنفسه قبل تفريغ ذمّته ، المترتّب عليه كون المحوز له ، وبعد ذلك إن استقى للمستأجر فهو ، وإلاّ كان ضامناً من أجل تفويت مورد الإجارة ، أو أ نّه يحكم ببطلانها على الخلاف المتقدّم .

   وعلى الجملة : فموضوع البحث في المقام ومفروض الكلام ما إذا  كانت الحيازة الخارجيّة بذاتها ملكاً للمستأجر وقد قصد الحائز التملّك لنفسه . وهذا هو الذي قلنا فيه : إنّ قصده يلغى ولا أثر له، باعتبار أنّ الحيازة لمّا كانت ملكاً للمستأجر فما يترتّب عليه أيضاً ملك له بالسيرة العقلائيّة ، وقصد الخلاف لا قيمة له .

   أمّا إذا كانت الإجارة واقعة على كلّي الحيازة الذي موطنه الذمّة ولم يقصد بفعله التطبيق ، فهو مشغول الذمّة له بالكلّي ، وأمّا هذا الفرد الخاصّ من الحيازة فهو ملك للحائز ، وما يترتّب عليه من الملك أيضاً ملك له بلا إشكال ، وليس هذا مبنيّاً على اعتبار قصد الملكيّة في الحيازة كما لا يخفى .

   الجهة الثالثة :  قد عرفت صحّة الاستئجار لحيازة المباحات والعمدة ، في مستندها  قيام السيرة العقلائيّة حسبما تقدّم .

ــ[355]ــ

   وأمّا معتبرة السكوني : «للعين ما رأت ولليد ما أخذت» (1) فالاستدلال بها وإن سبق منّا أيضاً لكنّه قابل للخدش ، نظراً إلى أ نّها مسوقة لبيان تشخيص المالك من حيث تردّده بين من أبصر ومن أخذ ، لا من حيث تردّده بين من تقوم به الحيازة ومن تكون له ، فإنّها ليست بصدد البيان من هذه الجهة ، فلا ينعقد لها إطلاق نافع للمقام ليدلّ على أ نّه المالك الآخذ وإن لم يكن مباشراً .

   وبعبارة واضحة : المتعارف الخارجي في مورد الرواية تردّد الطير المتنازع فيه بين كونه لمن أبصر أو لمن أخذ ، الظاهر ولو بحكم الانصراف فيما إذا كان المباشر قد أخذه لنفسه ، فإطلاقها لما إذا كان الآخذ مملوكاً للغير بالاستئجار لتدلّ على كون المأخوذ لمالك الآخذ لا لمن يقوم به الأخذ على خلاف منصرفها كما لا يخفى .

   وكيفما كان ، فتكفينا السيرة العقلائيّة سواء تمّت دلالة الرواية أيضاً أم لا ، ومقتضاها صحّة الإجارة حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدمة في ص 347 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net