ــ[72]ــ
وأمّا إذا كان بعنوان الجعالة فلا مانع منه ((1)) (1) ، لأ نّه يغتفر فيها مثل هذه الجهالة ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه . فالظاهر أ نّه لا مانع منه وإن كان الشرط مجهولاً ولم يعلم بمقدار السكونة الزائدة ، إذ لا دليل على قدح مثل هذا الجهل في الشرط ما لم يستوجب غرراً في المعاملة كما هو المفروض ، فيجب الوفاء به عملاً بأدلّة الشروط .
بل لا يبعد أن يكون هذا الاشتراط هو المتعارف بين الناس في أمثال هذه الإجارات ، فيعقدون الإجارة لمدّة معيّنة مشروطة بأ نّه إن زاد فبحسابه ، ولا يبالون بمثل تلك الجهالة بعد سلامتها عن أيّ غرر وخطر، فتكون الصحّة مطابقة لمقتضى القاعدة .
على أ نّه يمكن استفادتها من صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يكتري الدابّة فيقول : اكتريتها منك إلى مكان كذا وكذا فإن جاوزته فلك كذا وكذا زيادة ، ويسمّي ذلك «قال : لا بأس به كلّه» (2) .
فإنّه إذا صحّت الإجارة مع الجهل بكمّيّة الزيادة فمع التحديد والتعيين كما في المقام ـ حيث إنّ الزائد بحساب أنّ كلّ شهر بدرهم ـ بطريق أولى .
وبالجملة : فمحلّ الكلام بين الأعلام في المقام هو خصوص صورة الإجارة ، وأمّا على نحو الاشتراط فلا ينبغي الاستشكال في الصحّة حسبما عرفت .
(1) قال في الجواهر ما لفظه : أمّا لو فرض بوجه يكون كالجعالة بأن يقول
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بأن يجعل منفعة الدار لمن أعطاه درهماً مثلاً .
(2) الوسائل 19 : 111 / كتاب الإجارة ب 8 ح 1 .
ــ[73]ــ
الساكن مثلاً : جعلت لك علي كلّ شهر أسكنه درهماً ، لم يبعد الصحّة (1) . ففرض (قدس سره) الجعالة من جانب المستأجر ، وأ نّه يجعل للمالك على نفسه كذا على تقدير السكنى .
وهذا ـ كما ترى ـ لا ينطبق على ما هو المعهود من عنوان الجعالة ، حيث إنّها عبارة عن جعل الجاعل شيئاً على نفسه للفاعل بإزاء ما يصدر منه من عمل محترم . وهنا قد جعل المستأجر شيئاً على نفسه للمالك بإزاء السكنى التي هي عمل يصدر من نفس الجاعل دون المعجول له .
نعم ، يمكن تصحيحه بأن يكون الجعل بإزاء الإذن من مالك الدار الذي لا ينبغي الإشكال في أ نّه عمل محترم صادر منه ، فهو بإزاء الاسكان الذي هو عمل قائم بالمالك ، لا السكنى التي هي فعل قائم بالمستأجر ، فاختلف العامل عن الجاعل .
وما عن شيخنا المحقّق في إجارته (2) من أنّ الإسكان لا ماليّة له ، بل متعلّق بما له الماليّة وهي سكنى الدار .
غريب جدّاً ، بل لم يكن مترقّباً من مثله (قدس سره) .
وكيفما كان ، فما ذكره في الجواهر من افتراض الجعالة من جانب المستأجر لا يمكن تطبيقه على القاعدة وإن أمكن تصويره على النحو الذي عرفت .
هذا ، والظاهر من عبارة الماتن افتراض الجعالة من جانب المؤجّر لا المستأجر ، فيجعل على المستأجر شيئاً بإزاء سكناه . والكلام في تصوير ذلك من هذا الجانب :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 27 : 235 .
(2) ص 69 .
ــ[74]ــ
فقد علّق شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في المقام بما نصّه : حيث لاخفاء في تقوّم الجعالة بأن يكون تعيين الجعل والالتزام به ممّن يبذله دون الطرف الآخر ، وأن يكون بإزاء عمل محترم دون منافع الأموال ، فكون المعاملة المذكورة أجنبيّة عنها ظاهر (1) .
وملخّصه : أ نّه يعتبر في الجعالة ـ كما مرّ ـ فرض عمل محترم من العامل وأن يلتزم الجاعل بشيء على نفسه إزاء هذا العمل ، وفي المقام لم يجعل المؤجّر شيئاً على نفسه لتتحقّق الجعالة من قبله ، بل جعل لنفسه شيئاً على غيره قبال ما يستوفيه الغير من المنافع ، فهو يأخذ الاُجرة بإزاء ما يعطيه من المنفعة ، وأين هذا من الجعالة ؟!
وبالجملة : تتقوّم الجعالة بأمرين : فرض عمل محترم من شخص ، وجعل الباذل شيئاً على نفسه بإزاء هذا العمل ، فيقول : من ردّ عليّ ضالّتي فله علي كذا . وفي المقام لا يتحقّق ذلك ، بل الذي يتحقّق هو أخذ المؤجّر شيئاً بإزاء ما يستوفيه المستأجر من المنافع .
أقول : الظاهر أنّ الماتن (قدس سره) يريد بذلك أنّ المالك يجعل شيئاً على نفسه وهو المنفعة لمن يعمل له عملاً وهو بذل الدرهم ـ مثلاً ـ فيجعل منفعة الدار لمن أعطاه الدرهم ، فالذي يلتزم به الجاعل ـ وهو المؤجّر ـ تسليم المنفعة، والذي يصدر من العامل هو دفع الدرهم ، فالعمل هو إعطاء الدرهم ، والجعل هو منفعة الدار، ولاريب أنّ الإعطاء المزبور عمل محترم ، فلاحظ وتدبّر(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تعليقة النائيني على العروة الوثقى 5 : 18 (تحقيق جماعة المدرسين) .
(2) فإنّ هذا وإن أمكن ثبوتاً إلاّ أنّ استفادته من تلك العبارة التي هي محلّ كلام الماتن ومورد اعتراض المعلّق ـ أعني قوله : آجرتك كلّ شهر بدرهم ـ في غاية الإشكال . وقد أجاب ـ دام ظلّه ـ بأنّ الكلام في مقام الثبوت أوّلاً ويمكن استفادته من تلك العبارة أيضاً ثانياً ، فتدبّر جيّداً .
ــ[75]ــ
وكذا إذا كان بعنوان الإباحة بالعوض (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلطنة تخصيص الإباحة بمن يبذل له عوضاً معيّناً فيبيح السكونة في الدار لخصوص من يعطي عن كلّ شهر درهماً مثلاً .
ولكن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) ناقش فيه في الهامش بما لفظه : إنّ عوضيّة المسمّى تتوقّف على عقد معاوضة صحيحة، وإلاّ كان ما أباحه المالك بعوضه مضموناً بالمثل أو القيمة دون المسمّى(1).
وحاصله : أ نّه ما لم يفرض وقوع عقد صحيح لا يتعيّن المسمّى في العوضيّة ، بل يكون ما أباحه مضموناً بالمثل أو القيمة ، فيضمن الساكن في المقام اُجرة المثل لا ما عيّنه من المسمّى .
وفيه : أنّ هذا إنّما يتّجه لو اُريد عوضيّة المسمّى على نحو الملكيّة بأنّ يكون الطرف المبيح مالكاً لهذا العوض ومطالباً إيّاه الطرف الآخر على حدّ مطالبة الملاّك أموالهم في باب المعاوضات ، فإنّ هذه المالكيّة لا تكاد تتحقّق إلاّ بعد افتراض وقوع عقد صحيح كما أفاده (قدس سره) .
إلاّ أنّ الكلام لم يكن في ذلك ، بل في تصحيح هذه المعاملة على وجه يصحّ للطرف الآخر السكنى منوطاً بدفع المسمى ، وهذا المقدار لا يتوقّف على ما ذكره (قدس سره) من فرض العقد الصحيح ، بل يكفي فيه ما عرفته في تفسير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تعليقة النائيني على العروة الوثقى 5 : 18 (تحقيق جماعة المدرسين) .
ــ[76]ــ
الإباحة من أنّ المبيح بمقتضى عموم سلطنة الناس على أموالهم ربّما لا يبيح المنفعة لكلّ أحد أو لهذا الشخص على سبيل الإطلاق ، بل لطائفة خاصّة وهم الذين يبذلون هذا العوض الخاصّ ، أو لهذا الشخص في تقدير دفع العوض المعيّن وهو عن كلّ شهر درهم بحيث لا يرضى بالتصرّف في تقدير عدم دفع هذا المبلغ المعيّن ، بل يكون غاصباً وقتئذ ضامناً للقيمة لا محالة .
ومن الواضح أنّ الإباحة بالعوض بهذا المعنى واقع في الخارج كثيراً ، كما في الحمّامي ، حيث إنّه يبيح البقاء وصرف الماء ـ على الوجه المتعارف ـ لكلّ داخل باذل لمبلغ معيّن بحيث تكون الإباحة مشروطة به ، فلو أعطى هذا المقدار الخاصّ كشف عن الإذن من الأوّل ، وإلاّ فعن عدمه كذلك ، وبطبيعة الحال يكون عندئذ غاصباً ضامناً لاُجرة المثل .
وكما في الماء الذي يوضع في المسجد مباحاً تصرّفه لخصوص من يصلّي جماعة أو يصلّي في المسجد .
والحاصل : أنّ المالك مسلّط على ماله له الإباحة المطلقة ، أو لطائفة خاصّة بمقتضى القاعدة ، فله أن يبيح سكنى الدار مشروطاً بدفع هذا المقدار ، ولا يسوغ التخطّي عمّا سمّاه ، للزوم الجري على طبق إذنه ورضاه .
نعم ، في صورة الإباحة وكذا ما تقدّم من الجعالة ليس في البين أيّ إلزام أو التزام من أيّ من الطرفين ، فليس للمالك أن يجبر الساكن بالسكنى ، كما ليس للساكن إلزام المالك بذلك ، بل لكلّ منهما رفع اليد ، فلا يقاسان بالإيجار الذي يملّك فيه أحدهما شيئاً على الآخر يستوجب مطالبته إيّاه وإلزامه بالدفع كما هو واضح .
|