وقد يفرض بلوغ الغشّ من الكثرة حدّاً لا يصدق معه اسم الذهب والفضّة ولا يطلق عليه عنوان الدرهم والدينار منهما ، كما لو كان المزيج بمقدار النصف ، ولا سيّما إذا كان أكثر كالليرات الاستامبوليّة ـ حيث إنّ ذهبها الخالص لا يتجاوز الثلث ، أي يشتمل كلّ مثقال منها على ثمان حبّات من الذهب ـ وكالدراهم المتداولة في عصرنا الحاضر . ففي مثل ذلك يشكل وجوب الزكاة وإن بلغ خالصهما النصاب ، بل لا يبعد العدم ، لحصر الوجوب في صحيحة جميل بالدرهم والدينار ، أي بما كان مصداقاً للذهب والفضّة المسكوكين غير المنطبق على المقام حسب الفرض ، ولا دليل على أنّ الفضّة أو الذهب الخالصين المنبثّين في مطاوي تلك المغشوشات يتعلّق بهما الزكاة .
وبعبارة اُخرى : إنّما تجب الزكاة في الدينار من الذهب لا في كلّ مسكوك تضمّن بعض أجزائه الذهب ، فإنّه لا يصدق عليه العنوان إلاّ بنحو من العناية والتجوّز ، فإن كان هناك إجماع فهو ، ويلتزم من أجله بثبوت الحكم في غير مورد الدرهم والدينار أيضاً ، وهو المسكوك المشتمل على الذهب أو الفضّة ولو في بعض أجزائه ، فيثبت الحكم في مورد ثالث بدليل آخر ، وهو الإجماع ، دون النصوص ، لقصورها عن الشمول لذلك كما هو ظاهر .
والظاهر عدم تحقّق الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) ،
ــ[292]ــ
وإنّما استند القائل بذلك إلى مقتضى القواعد الأوّليّة بزعم صدق الدرهم والدينار على المغشوش الذي عرفت منعه في الفرض.
نعم ، دلّت على ذلك رواية زيد الصائغ (1) ، حيث تضمّنت وجوب الزكاة في الدرهم الذي ثلثه فضّة وثلثاه مسّ (2) ورصاص ، إلاّ أ نّه لا يمكن رفع اليد بها عن الروايات النافية للزكاة عن غير الدرهم والدينار ، فإنّه وإن أمكن الجمع بارتكاب التقييد في تلك النصوص والالتزام بثبوت الزكاة أيضاً في النقود التي يكون جزءٌ من مادّتها ذهباً أو فضّةً فيما لو بلغ حدّ النصاب ، إلاّ أنّ هذه الرواية في نفسها ضعيفة السند ، لأنّ محمّد بن عبدالله بن هلال فيه كلام ، وزيد الصائغ مجهول .
ودعوى الانجبار بعمل الأصحاب ممنوعةٌ كبرىً على ما حقّقناه في الاُصول(3) ، وصغرىً أيضاً ، إذ لم يُعلَم استناد الأصحاب الأقدمين إليها الذين هم المناط في الاستناد ، وإن ذُكِرت في كتب المتأخّرين ، إذ لعلّهم جروا على مقتضى القواعد الأوّليّة بزعم ثبوت الزكاة في مطلق المسكوك المشتمل جزء من مادّته على الذهب والفضّة ، كما أنّ جماعة كثيرة ممّن تأخّر عن الشيخ كانوا يتبعون الشيخ فيما يقول ولم يتجرؤوا على مخالفته حتى سُمّوا بالمقلّدة .
وعلى الجملة : المدار في حجّيّة الخبر على أحد أمرين : إمّا وثاقة الراوي ، أو الوثوق بصدور الرواية لأجل الاحتفاف بقرائن تورث الاطمئنان بصدورها ، وشيءٌ منهما لم يثبت في المقام .
والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الدراهم والدنانير المغشوشة إن صدق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 153 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 7 ح 1 .
(2) المِسّ : النحاس ـ لسان العرب 6 : 219 (مسس) .
(3) مصباح الاُصول 2 : 201 ـ 202 .
|