ــ[125]ــ
نعم ، للإمام (عليه السلام) أو نائبه أخذها منه قهراً (1) ، ولو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أ نّه لا دليل على تكليف الكفّار بالزكاة ولا بغيرها من سائر الأحكام المختصّة بالإسلام وأ نّها إنّما تتعلّق بالمسلمين خاصّة .
وأمّا الكفّار حتى الذمّي منهم فلم يكلّفوا إلاّ بالاُصول ، إلاّ إذا اشتُرِطت عليهم الزكاة كما احتملناه في الرواية المتقدّمة الواردة في قبالة خيبر (1) .
نعم ، لا يجوز للذمّي الإجهار بالمنكرات ونحو ذلك ممّا يخالف شرائط الذمّة ، وهو أجنبي عمّا نحن بصدده كما هو ظاهر .
(1) قد عرفت أنّ الأقوى عدم وجوب الزكاة على الكافر، وأمّا لو بنينا على الوجوب ـ لتكليفه بالفروع كالاُصول كما عليه المشهور ـ فقد ذكر الماتن تبعاً لجماعة من الأصحاب ، أنّ للإمام (عليه السلام) أو نائبه أخذها قهراً ، فتبرأ بذلك ذمّة الكافر بطبيعة الحال ، لانتفاء الموضوع .
وقد يناقَش فيه :
تارةً : بأنّ الزكاة عبادةٌ تفتقر إلى قصد التقرّب المتعذّر من الكافر ، فكيف يسوغ أخذها قهراً ممّن لا تصحّ عبادته ؟!
والجواب : إنّ تعذّر رعاية العباديّة لا تسوّغ إهمال حقوق الفقراء وعدم استنقاذها من الممتنع بعد أن كان الحاكم الشرعي وليّاً عليهم في استيفاء أموالهم، كما هو الحال في المسلم الممتنع .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع ص 122 .
ــ[126]ــ
وبعبارة اُخرى : إنّ في الزكاة حيثيّتين ، حيثيّة الصدور عبادةً ، وحيثية الوصول إلى المستحقّ ، فإن أمكن الجمع وإلاّ فامتناع الأوّل لا يسوّغ إهمال الثاني ممّن وظيفته التصدّي لحقوق الفقراء واستنقاذها من أيدي الممتنعين من غير فرق بين الكافر والمسلم . ونتيجة ذلك براءة ذمّة الممتنع ، لزوال الموضوع بطبيعة الحال .
واُخرى : بأنّ الزكاة تتعلّق بالعين ، على الخلاف في كيفيّة التعلّق من الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو الشركة في الماليّـة ، وعلى أيّ تقدير فاختـيار التطـبيق والتعيين في المدفوع بيد صاحب المال دون غيره ، فكيف يعيّنه الحاكم الشرعي فيما يأخذه منه قهراً ، وما هو الدليل على صحّة هذا التعيين الصـادر من غير صاحب المال ؟
ويندفع : بإمكان الاستدلال عليه بأدلّة التقاصّ من الممتنع ـ وفي بعضها أ نّه يدعو بالمأثور ـ إذ لا قصور في شمولها للمقام، الذي هو في الحقيقة من صغريات ذاك الباب ، فكما أنّ المالك أو من له الولاية على المال المغصوب ـ كولي الصغير ـ يجوز له الاستنقاذ والتقاصّ ولو من غير الجنس ممّا يعادله في المالية ، وتعيين الحقّ فيه نافذ وممضى بمقتضى تلك الأدلّة ، فكذا فيما نحن فيه ، لوحدة المناط كما لا يخفى .
نعم ، تمكن المناقشة بوجه ثالث ، وهو أ نّا ولو سلّمنا تكليف الكفّار بالفروع إلاّ أنّ المفروض سقوط الزكاة بمجرّد اختيار الإسلام ، ولا سيّما إذا كانت العين تالفة ، إذ في السقوط مع البقاء تأمّل كما ستعرف ، وأمّا مع التلف فلا كلام ولا خلاف في السقوط ، وعليه فبأيّ موجب يؤخذ الزكاة منه قهراً بعد أن لم تصحّ منه حال الكفر ولم يطلب منه حال الإسلام ؟!
ــ[127]ــ
إذن فتكليفه بالزكاة لو سُلِّم لا يستدعي المطالبة منه قهراً بوجه ، ولا سيّما بعد ما ورد في جملة من النصوص(1) من أنّ الكافر ليس عليه شيء غير الجزية ، التي منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شيء سوى الجزية؟ «قال : لا»(2).
فأخذ الزكاة منه مناف لصراحة هذه النصوص في أ نّه لا شيء عليه ما عدا الجزية الشامل نفي الجنس للزكاة ، بل لعلّها أظهر الأفراد .
على أنّ السيرة العمليّة خَلَفاً عن سَلَف قائمة على عدم مطالبته بها ، إذ لم يُعهَد لا في عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولا في عهد الخلفاء جباية الزكوات من الكفّار ، ولم ينقل ذلك في تأريخ ولا رواية ، بل كانت الجباية خاصّة بمن يعتنق الإسلام فحسب .
وعلى الجملة : فأخذ الزكاة من الكافر مناف لمقتضى القاعدة وللنصوص الحاصرة وللسيرة العمليّة حسبما عرفت .
وأشكلُ من ذلك : أخذُ عوضها منه لو اُتلف والحكم بضمانه لها ، ضرورة أنّ القدر المتيقّن من السيرة المزبورة وكذا من حديث جبّ الإسلام هو صورة التلف وعدم بقاء العين ، إذ لم تُعهَد مطالبة الكافر ولا سيّما بعد أن أسلم بزكوات السنين الماضية يقيناً ، فما ذكره في المتن من الحكم بأخذ العوض منه لو اُتلف مشكلٌ جدّاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مورد هذه النصوص هو الكافر الذمّي ، وعدم مطالبته بشيء هو مقتضى كونه في الذمّة فلا يقاس به غيره .
(2) الوسائل 15 : 151 / أبواب جهاد العدو ب 68 ح 3 .
|