ــ[119]ــ
[ 2628 ] مسألة 16 : الكافر تجب ((1)) عليه الزكاة (1) ، لكن لا تصحّ منه إذا أدّاها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تبتني هذه المسألة على الكبرى الكلّيّة، وهي أنّ الكفّار هل هم مكلّفون بالفروع كما أ نّهم مكلّفون بالاُصول ، أو لا ؟
والمعروف والمشهور بين الفقهاء هو الأوّل، بل حكي عليه الإجماع ، ويستدلّ له بعموم أدلّة التكاليف، وخصوص جملة من الآيات ، مثل قوله تعالى : (لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ)(2) ، وقوله تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * ا لَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)(3) ، حيث علّل عذاب المشرك بتركه الصلاة وعدم الإطعام المفسّر بترك الزكاة ، وكذا الويل في الآية الثانية .
ويندفع بمنع العموم في تلك الأدلّة ، كيف ؟! والخطاب في كثير من الآيات خاصٌّ بالمؤمنين ، كقوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )(4) وقوله تعالى : (يَا أَ يُّهَا ا لَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ )(5) وقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابَاً مَوقُوتاً )(6) فلو كان عمومٌ في بعضها ـ مثل قوله تعالى :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه إشكال بل الأظهر عدمه ، وعلى تقدير الوجوب فعدم سقوطها مع بقاء العين بإسلامه إنّه لم يكن أظهر فلا ريب في أ نّه أحوط ، وبذلك يظهر الحال في المسألتين الآتيتين .
(2) المدثر 74 : 43 ، 44 .
(3) فصّلت 41 : 6 ، 7 .
(4) البقرة 2 : 43 ، 83 ، 110 ، النور 24 : 56 ، المزمل 73 : 20 .
(5) البقرة 2 : 183 .
(6) النساء 4 : 103 .
ــ[120]ــ
(وَللهِِ عَلَى النَّاسِ )(1) ـ فبإزائها هذه الآيات الخاصّة .
ولا دلالة في الآيتين المتقدّمتين على تكليف الكفّار بالفروع ، لجواز كون المراد من عدم الكون من المصلّين ومطعمي المسكين : الإشارة إلى عدم اختيار الإسلام والتكذيب بيوم الدين كما في ذيل الآية الاُولى ، وكذا يراد من عدم إيتاء الزكاة : تركها بترك الإسلام والكفر بالآخرة كما في ذيل الآية المباركة ، فلا تدلّ على تعلّق العقاب بترك هذه الفروع بأنفسها كما لا يخفى .
وممّا يدلّ على الاختصاص قوله تعالى : (الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَو مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَان أَو مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ) (2) .
فإنّ المراد بالنكاح ليس هو العقد قطعاً ـ لعدم جوازه بين المسلمة والمشرك أو المسلم والمشركة باتّفاق المسلمين قاطبةً ـ بل المراد نفس الوطء الخارجي ، فتشير الآية المباركة إلى ما هو المتعارف خارجاً بمقتضى قانون السنخيّة من أنّ الزاني لا يجد من يزني بها إلاّ زانية مثله أو مشركة ، فإنّ الطيور على أمثالها تقع ، والجنس إلى الجنس يميل ، وإلاّ فالمؤمنة لا تطاوعه على ذلك أبداً ، وكذا الحال في الزانية ، ثمّ قال تعالى : (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ) ، فخصّ سبحانه حرمة الزنا بالمؤمن دون الكافر .
هذا ، مضافاً إلى ورود رواية (3) معتبرة عن الكافي تضمّنت : أنّ الكافر يؤمَر أوّلاً بالإسلام ثمّ بعده بالولاية ، فإذا لم يكن مكلّفاً حال كفره بالولاية ـ التي هي أعظم الفروع وأهمّها ـ وإنّما يؤمَر بها بعد اختيار الإسلام ، فما ظنّك بسائر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 3 : 97 .
(2) النور 24 : 3 .
(3) الكافي 1 : 180 / 3 .
ــ[121]ــ
الأحكام (1) ؟!
أضف إلى ذلك كلّه : قيام سيرة المسلمين قاطبةً خَلَفاً عن سلف على عدم مؤاخذة الكفّار حتى الذمّي منهم بشيء من الأحكام ، فلا يؤمَرون بالصلاة ولا بالصيام ولا بالحجّ ، كما لا يُنهَون عن شرب الخمر أو القمار أو الإفطار في شهر رمضان ، ولا تجري عليهم الحدود إلاّ فيما دلّ عليه دليلٌ بالخصوص ، مع أ نّهم لو كانوا مكلّفين بالفروع لوجب ذلك ولو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فالحقّ : أنّ الكفّار غير مكلّفين إلاّ بالاُصول ، ولم يوضع عليهم قلم التكليف بالفروع ـ التي منها الزكاة ـ إلاّ بعد اعتناق الإسلام ، فيؤمَرون عندئذ بسائر الأحكام ، وأمّا قبل ذلك فهم يقرّون على أديانهم ومذهبهم .
نعم ، لا يسوغ لهم الإجهار بالمنكرات في بلد المسلمين كشرب الخمر علناً ونحو ذلك ، ويُردعون عن ارتكابها ، حفظاً لشعائر الإسلام . وهذا مطلبٌ آخر غير مرتبط بمحل الكلام .
ولم يُنقَل في تأريخ أو رواية عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أو أحد المعصومين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هكذا ذكره في الحدائق [ 3 : 40 ] أيضاً ، بزيادة توصيف الأحكام بأ نّها متلقّاة من الإمام (عليه السلام) .
ولكنّه يمكن إبداء الفارق بأنّ الإذعان بالولاية ـ بمعناها الخاصّ ـ متقوّم في جوهر ذاته بالإذعان بالرسالة، فإنّ معرفة الإمام بوصفه العنواني تتوقّف في تكوينها الخارجي على معرفة الإسلام كما اُشير إلى ذلك في نفس الصحيحة، وليس كذلك سائر الأحكام، فلا تقاس بقيّة الفروع بمثل هذا الفرع الذي يعدّ من العقائد ومن اُصول المذهب ، وأمّا التلقّي من الإمام فلا يطّرد في جميع الفروع ، فلاحظ .
ــ[122]ــ
(عليهم السلام) المبسوطة أيديهم جبايةُ الزكوات من الكفّار ومطالبتهم إيّاها ، ولو كان لبان ونُقِل إلينا بطبيعة الحال ، بل كانوا يقرّون على مذاهبهم كما يقرّون على سائر أموالهم وإن لم يكن مالاً بنظر الإسلام ، كثمن الخمر والخنزير ، وما يكسبون من الربا والقمار ، وما يرثونه على خلاف قانون الإسلام ممّا يثبت في أديانهم ، ونحو ذلك ممّا لا يخفى .
وأمّا الاستدلال على تعلّق الزكاة بهم برواية صفوان وابن أبي نصر ، قالا : ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته «فقال : من أسلم طوعاً تُرِكت أرضه في يده ـ إلى أن قال : ـ وما اُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخيبر ، وعلى المتقبّلين سوى قبالة الأرض العُشر ونصف العشر في حصصهم» (1) ، حيث إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وضع على المتقبّلين من يهود خيبر ـ سوى الخراج ـ العُشر ونصفه الذي هو الزكاة .
فيرده أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة السند بعليّ بن أحمد بن أشيم ، فإنّه لم يوثّق ولم يُمدَح (2) .
وثانياً : أ نّه لم يظهر منها كفر المتقبّل ، ولعلّ القبالة كانت مع من أسلم منهم ، فإنّها مجملة من هذه الناحية كما لا يخفى .
وثالثاً : سلّمنا كون الطرف كافراً، ولكن مفادها وجوب العشر عليهم بمقتضى الشرط في ضمن العقد الواقع على قبالة الأرض ، وهو أجنبي عن تعلّق الزكاة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 188 / أبواب زكاة الغلاّت ب 7 ح 2 .
(2) نعم ، ولكنّه من رجال كامل الزيارات ، على أ نّها رُويت بسند آخر صحيح ، لاحظ الوسائل 15 : 158 / أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2 .
ــ[123]ــ
عليهم ابتداءً الذي هو محلّ الكلام ، فلا مساس لها بتكليف الكفّار بالفروع بوجه .
هذا كلّه ، مع أنّ في إمكان توجيه الخطاب بوجوب الزكاة نحو الكافر إشكالاً جيّداً جدّاً قد تقدّم التعرّض لنظـيره من صاحب المدارك في مبحث قضاء الصلوات (1) ولعلّه أوّل من تنبّه إليه .
وملخّصه : أنّ تكليف الكافر بالأداء في الوقت ممكنٌ بأن يختار الإسلام فيصلّي أداءً ، وأمّا تكليفه بالقضاء فمتعذّر ، لعدم التمكّن من امتثاله لا في حال الكفر ـ لعدم صحّته منه بعد فقد شرط الطهارة وعدم قصد القربة ، مضافاً إلى اشتراط العبادة بالولاية فضلاً عن الإسلام ـ ولا في حال الاسلام ، لسقوطه عنه عندئذ بمقتضى حديث الجبّ (2) ، فالتكليف غير قابل للامتثال في كلتا الحالتين ، ومعه كيف يصحّ تعلّقه به ؟!
وعلى ضوء ذلك يناقش في المقام : بأ نّه إن اُريد من تكليف الكافر بالزكاة وجوب أدائها حال الكفر فهو تكليفٌ بما لا يصحّ ، لما عرفت من اشتراط صحّة العبادة بالولاية فضلاً عن الإسلام . وإن اُريد بعد الإسلام فهو مناف لحديث جبّ الإسلام لما قبله . وهذا الإشكال حسنٌ لا مدفع عنه .
أجل قد يجاب عنه :
تارةً : بأ نّه كان متمكّناً من القضاء باختيار الإسلام في الوقت فيصلي أداءً وإن فاته فقضاءً ، كما كان متمكّناً من الزكاة بإسلامه قبل أوان تعلّق الزكاة ، وقد فوّت على نفسه هذا التلكيف بسوء الاختيار المستند إلى عدم قبول الإسلام ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 4 : 292 ، 5 : 42 .
(2) مستدرك الوسائل 7 : 448 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 2 .
ــ[124]ــ
ومن الواضح أنّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وإن نافاه خطاباً ، فالتكليف وإن كان ساقطاً بمناط امتناع خطاب العاجز إلاّ أنّ الملاك الفعلي الملزم موجود ، وتفويته مستوجب للعقاب بحكومة العقل ، ولأجله لا مانع من تعلّق الزكاة ـ كالقضاء ـ بالكافر كالمسلم بمناط واحد .
ويندفع : بأنّ هذا وإن كان ممكناً ثبوتاً إلاّ أ نّه عار عن الدليل في مرحلة الإثبات ، إذ لا طريق لنا إلى استعلام ملاكات الأحكام من غير ناحية الأوامر أنفسها ، والمفروض امتناع تعلّق الأمر في المقام ، لعدم قبوله للامتثال في حال من الحالات كما عرفت ، ومعه كيف يستكشف تحقّق المناط والملاك ليكون تفويته المستند إلى سوء الاختيار مستوجباً للعقاب ؟! وهل يمكن دلالة قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * ا لَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (1) ـ ولو مع الغضّ عن ذيلها ـ على ثبوت الأمر بالزكاة الذي هو أمرٌ مستحيل كما عرفت ؟!
واُخرى : بأنّ دليل التكليف بالزكاة وإن كان قاصر الشمول بالإضافة إلى الكافر كما ذكر ، إلاّ أنّ أدلّة الوضع ـ التي مرجعها إلى شركة الفقراء معه في المال ـ غير قاصر الشمول له ، لعرائه عن أيّ محذور ، ونتيجته جواز انتزاع المال منه قهراً أو اختياراً .
ويندفع أيضاً : بما مرّ مراراً من عدم الإطلاق في هذه الأدلّة ، لعدم كونها في مقام البيان إلاّ من ناحية المقدار بعد الفراغ عن أصل تعلّق الزكاة وأ نّها في أيّ مورد ثبتت فمقدارها هكذا ، وأمّا أ نّها في أيّ مورد تثبت وتجب وفي أيّ مورد لا تجب فليست في مقام البيان من هذه الناحية أبداً ليُتمسّك بإطلاقها ويُدّعى شمولها للكافر .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فصّلت 41 : 6 ، 7 .
|