ــ[58]ــ
وإنّما الإشكال فيما إذا كان الاتّجار بمال اليتيم على وجه غير سائغ ، كما لو كان صادراً عن غير الولي ولكنّه اتّجر لنفسه لا لليتيم من غير مجوّز شرعي ، كما إذا لم يكن مليّاً أو كان المال في معرض التلف ، فهل يثبت الاستحباب هنا أيضاً ؟ أو أ نّه يختصّ بما إذا كان المتّجر وليّاً وكان الاتّجار سائغاً ولليتيم نفسه ؟
قد يفرض أنّ الولي استقرض المال من اليتيم وكان ذلك جائزاً في حقّه كما لو كان مليّاً ـ لو قلنا باعتبار هذا القيد في جواز الاقتراض للولي ـ فكان القرض صحيحاً ، وأخذ المال واتّجر به لنفسه ، ولا إشكال حينئذ في أنّ الربح له كالاتّجار ، فهو المأمور استحباباً بإخراج الزكاة عن ماله ، إذ الاتّجار ليس بمال اليتيم ، بل بمال كان لليتيم سابقاً ، وأمّا فعلاً فهو ملك للولي المقترض ، فيشمله عموم دليل استحباب الزكاة في مال التجارة كسائر البالغين ، وهذا واضحٌ جدّاً ، بل هو خارجٌ عن محلّ الكلام .
وأمّا إذا كان بمال اليتيم مع فرض عدم كون الاتّجار سائغاً ، إمّا لعدم كونه وليّاً ، أو لأنّ الولي تصرّف على غير الوجه الشرعي ، فقد يكون الاتّجار لليتيم ، واُخرى للمباشر نفسه .
فإن كان لليتيم ، فلا يبعد ثبوت الاستحباب ، بل هو الظاهر ، فإنّ المعاملة وإن لم تكن صحيحة من الأوّل ـ لعدم صدورها ممّن له أهليّة التصرّف على النهج الشرعي حسب الفرض ، فهي لا تخرج عن كونها معاملة فضوليّة ـ إلاّ أ نّه بعد ظهور الربح ـ ولو من باب الاتّفاق ـ يحكم بالصحّة من غير حاجة إلى إجازة الولي ، لصدورها من الولي الأصلي ـ وهو الشارع ـ بمقتضى الروايات الواردة في المقام المتضمّنة : أنّ الربح لليتيم والخسران على المتّجر ، التي تدلّ بالالتزام على صحّة المعاملة ، المساوقة لحصول الإجازة كما لا يخفى ، فتشمله حينئذ إطلاقات استحباب الزكاة في مال اليتيم مع الاتّجار .
فمن تلك الروايات : معتبرة سعيد السمّان ـ التي ليس في سندها من يغمز ،
ــ[59]ــ
عدا إسماعيل بن مرار ، الذي هو من رجال تفسير علي بن إبراهيم ـ قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) «يقول : ليس في مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به ، فإن اتّجر به فالربح لليتيم ، وإن وضع فعلى الذي يتّجر به» (1) .
فإنّ موردها التجارة غير النافذة شرعاً في نفسها ، بقرينة الحكم بضمان المتّجر لدى الوضع ـ أي الخسران ـ وإلاّ فلا ضمان على الولي في تجارة صحيحة كما هو ظاهر ، فتدلّ على ثبوت الزكاة في الربح الحاصل في تلك التجارة بمقتضى الاستثناء .
ونحوها صحيحة زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : ليس على مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به ، فإن اتّجر به ففيه زكاة ، والربح لليتيم ، وعلى التاجر ضمان المال» (2) .
فإنّ مضمونها متّحد مع ما سبق .
وإن كان للمتّجر نفسه ، فبما أنّ العين لليتيم فالبيع والربح يقعان له بطبيعة الحال وان قصد التاجر الفضولي خلافه ، لما ذكرناه في بحث الفضولي من عدم مدخليّة لهذا القصد (3) ، فإنّ البيع : مبادلة بين المالين ، فالركن فيه هو العوضان ، فلا جرم يقع البيع لمالكهما الواقعي مع الإجازة ، ولا أثر لقصد البائع الفضولي خلاف ذلك ، ولذا قلنا : إنّ بيع الغاصب أو شرائه يقع للمالك وإن قصد الغاصب الشراء لنفسه، لعدم مدخليّة لهذا القصد في تحقّق البيع الذي هو مبادلة مال بمال ، فإذا كان البيع لليتيم إمّا بإجازة الولي أو بدونه كان الربح له أيضاً ، لأنّ المال ماله حسب الفرض وإن كان الضمان على المتّجر كما تقدّم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 87 / أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 2 .
(2) الوسائل 9 : 89 / أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 8 .
(3) مصباح الفقاهة 4 : 114 ـ 116 .
|