ــ[56]ــ
نعم ، إذا اتّجر الولي بماله يستحبّ إخراج زكاته أيضاً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذهب جماعة منهم إلى عدم الوجوب مطلقاً كالخاصة، لقوله (صلّى الله عليه وآله): «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» كما يظهر ذلك من الشيخ في الخلاف(1) ومن بعض كتب العامّة أيضاً على ما راجعنا ، فهم بين قولين مطلقين ولا قائل بالتفصيل ، ولعلّه يوجد به قول شاذّ ، بل قد نسبه بعضهم إلى أبي حنيفة ، إلاّ أ نّا لم نجده (2) .
وكيفما كان ، فإن أمكن الحمل على التقيّة فهو ، وإلاّ فتسقط الروايتان من هذه الجهة بالمعارضة، فلم يبق لنا أيّ دليل على الاستحباب ، فالقول به مشكل جدّاً ، بل ممنوع ، للزوم الرجوع بعد التعارض والتساقط إلى عموم قوله (عليه السلام) في بقيّة الروايات أ نّه : «ليس في مال اليتيم زكاة» (3) ، فإنّ التصرّف في مال اليتيم وتزكيته ولو استحباباً يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل ، ومقتضى الأصل : العدم .
(1) على المشهور، بل ادُّعي عليه الإجماع، لجملة وافرة من النصوص المعتبرة السليمة عن المعارض، التي منها صحيحة محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : هل على مال اليتيم زكاة ؟ «قال : لا ، إلاّ أن يتّجر به أو تعمل به» (4) ، ونحوها غيرها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخلاف 2 : 41 .
(2) في المغني لابن قدامة [ 2 : 489 ] : قال أبو حنيفة : يجب العشر في زروعهما وثمرتهما ـ أي المجنون والصبي ـ وقال ابن حزم في المحلّى [ 5 : 205 ] : قال أبو حنيفة : لا زكاة في أموالهما من الناض والماشية خاصّة ، والزكاة واجبة في ثمارهما وزروعهما .
(3) الوسائل 9 : 83 / أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 .
(4) الوسائل 9 : 87 / أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 1 .
ــ[57]ــ
بل إنّ ظاهر هذه النصوص الوجوب ، ومن هنا نُسِبَ القول به إلى المفيد (1) وإن لم تثبت النسبة ، إذ قد حمل الشيخ كلامه على الاستحباب ، وهو أعرف بمراده من غيره .
وكيفما كان ، فلا ينبغي الإشكال في عدم الوجوب وإن تعاطاه ظواهر هذه الأخبار ، وذلك لجملة اُخرى من الروايات دلّت على عدم وجوب الزكاة في مال التجارة ، وهي وإن كان موردها ـ إلاّ ما شذّ ـ غير اليتيم إلاّ أ نّا لا نحتمل أن يكون اليتيم أشدّ حالاً من البالغ ، فإذا لم يثبت فيه بمقتضى هذه النصوص لم يثبت في اليتيم بطريق أولى .
على أنّ الزكاة من مباني الإسلام ، فهو ممّا لو كان لبان وكان من الواضحات ، فكيف لم يُنسَب القول بالوجوب إلى أحد ما عدا المفيد الذي عرفت حال هذه النسبة أيضاً ؟!
فلا ينبغي التأمّل في حمل تلك الأخبار على الاستحباب ، ولا ضير في الالتزام به وإن أنكرنا الاستحباب فيما لا يتّجر به من غلاّت الصبي ، للفرق الواضح بين المالين حتى ثبوتاً فضلاً عن الفارق الإثباتي ، بلحاظ قيام الدليل وعدمه كما عرفت ، فإنّ ما يتّجر به مالٌ تعلّق باليتيم وحصل له من غير أن يعمل فيه ـ كما لو ملكه بسبب الإرث ـ مثلاً ـ فلا تستحبّ فيه الزكاة ، وهذا بخلاف ما اتّجر فيه ، فإنّ الربح العائد إنّما حصل بفعل الولي ، وهو الذي تسبّب إلى تحصيله تبرّعاً ومن غير أن يكون واجباً عليه ، فلا مانع حينئذ من الأمر بالزكاة استحباباً وإبقاء الباقي للصبي .
وعلى الجملة : فأصل الاستحباب ممّا لا إشكال فيه من غير فرق بين اليتيم والبالغ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ الحدائق الناضرة 12 : 22 .
|