ــ[50]ــ
الرابع : الحامل المقرب التي يضرّها الصوم أو يضرّ حملها (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن البيّن أنّ المضطرّ وإن ساغ له الإفطار إلاّ أ نّه يلزمه الاقتصار على ما يندفع به الاضطرار ، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها ، ويجب عليه الإمساك بقيّة النهار وإن بطل صومه ، شأن كلّ من هو مأمور بالصيام وقد عرضه البطلان لجهة من الجهات حسبما تقدّم .
وعلى الجملة : مورد الموثّقة من هو مأمور بالصيام وقد اضطرّ إلى الإفطار ، وحكمه الاقتصار والإمساك بقيّة النهار ثمّ القضاء ، وأين هذا من ذي العطاش المبحوث عنه في المقام الذي لم يكن مأموراً إلاّ بالفداء دون الصيام ؟ ! إذن فلا يلزمه الاقتصار على مقدار الضرورة ، عملا بإطلاق الأدلّة .
(1) استيعاب البحث يستدعي التكلّم في جهات :
الاُولى : في جواز الإفطار لها ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، سواء أكان الضرر متوجّهاً إليها أم إلى حملها ، من غير حاجة إلى ورود نصّ خاصّ ، غايته أنّ الجواز يثبت لها على الأوّل بعنوان المرض ، بناءً على ما أسلفناك من أنّ أخذه في موضوع الحكم لم يكن بما هو وبوصفه العنواني ، بل بمناط التضرّر من الصوم ، فكلّ من أضرّه الصوم فهو محكوم بالإفطار وإن لم يكن مريضاً بالفعل .
وعلى الثاني من باب المزاحمة وحفظ النفس المحترمة بعد فرض عدم التمكّن من الجمع بين الصوم وبين التحفّظ على سلامة الحمل من السقط ونحوه ، وهذا واضح .
الجهة الثانية : في وجوب القضاء ، وهو المشهور والمعروف ، بل عن الخلاف
ــ[51]ــ
دعوى الإجماع عليه(1) .
غير أ نّه نُسب إلى سلاّر وعلي بن بابويه العدم(2) ، وكأنّهما استندا في ذلك إلى التعبير بالإطاقة في صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في خصوص المقام ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ، لأنّهما لا تطيقان الصوم»(3) ، المشعر بالدخول تحت قوله تعالى : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، المحكوم عليه بالفداء دون القضاء .
وهو كما ترى ، لما تقدّم في تفسير الإطاقة من أنّها التمكّن مع المشقّة من غير أىّ تضرّر من ناحية الصوم ، وليس الحامل المبحوث عنها في المقام كذلك ، لأنّها تخاف الضرر على النفس أو الحمل حسب الفرض ، ولعلّ المراد بها في الصحيحة عدم القدرة غير ما هو المراد منها في الآية الكريمة ، سيّما وأنّ الوارد فيها عدم الإطاقة لا الإطاقة كما في الآية المباركة .
مع أنّ ذيلها صريحٌ في وجوب القضاء ، قال (عليه السلام) : «وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه ، تقضيانه بعد» فعلى تقدير تسليم اندراجها في الآية المباركة يلتزم بالتخصيص لأجل هذا النصّ الخاصّ .
وربّما يُتمسّك لذلك ـ أي لنفي القضاء ـ بما رواه الصدوق بإسناده عن ابن مسكان ، عن محمّد بن جعفر ، قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل فلم تقو على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخلاف 2 : 197 .
(2) المراسم : 97 ، المقنع : 194 .
(3) الوسائل 10 : 215 / أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 1 .
ــ[52]ــ
الصوم «قال : فلتتصدّق مكان كلّ يوم بمدّ على مسكين»(1) .
فكأنّه استفيد من الأمر بالفداء عدم وجوب القضاء .
وفيه ما لا يخفى ، فإنّ موردها الجعل على النفس ابتداءً بنذر أو شبهه ، فهي أجنبيّة عن محلّ الكلام ، فكيف يتعدّى منها إلى صيام شهر رمضان ، سيّما بعد دلالة النصّ على وجوب القضاء فيه كما سمعت ؟ !
على أنّها ضعيفة السند ـ ظاهراً ـ فإنّ ابن مسكان وإن كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) إلاّ أ نّه عاش طويلا ببركة دعاء الإمام حتّى أدرك الرضا (عليه السلام) أو قريباً منه ، ولذلك يروي عنه محمّد بن سنان كثيراً ، كما يروي هو أيضاً عن ابن سنان .
والمراد بأبي الحسن إمّا أن يكون هو الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) الذي هو الأشهر وينصرف اللفظ إليه عند الإطلاق ، أو الرضا (عليه السلام) دون الهادي (عليه السلام) ، لعدم إمكان رواية ابن مسكان عنه (عليه السلام) بواسطة واحدة كما لا يخفى .
إذن فمحمّد بن جعفر الواقع في هذه الطبقة ـ الذي يروى عنه ابن مسكان وهو يروي عن أبي الحسن (عليه السلام) ـ مجهول ، إذ لا نعرف في هذه الطبقة من يسمّى بهذا الاسم ويكون ثقة ، فإنّ محمّد بن جعفر الأشعري ثقة ولكنّه في طبقة متأخّرة .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الاقتصار على ذكر المدّ وعدم ذكر القضاء لا يكون دليلا على عدم الوجوب بوجه كما لا يخفى ، فهي إذن قاصرة سنداً ودلالةً ، فلا يصحّ التعويل عليها بوجه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 216 / أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 2 ، الفقيه 2 : 95 / 424 .
ــ[53]ــ
وعليه ، فلا مناص من الحكم بوجوب القضاء ، لصريح صحيح ابن مسلم ، ولما ثبت من الخارج من أنّ كلّ من كان مأموراً بالصيام وقد أفطر لعارض من ضرر على نفسه أو على غيره لابدّ له من القضاء . فالقول بعدم الوجوب ضعيفٌ غايته .
|