ــ[340]ــ
إنّما الكلام فيما لو تعدّد الموجب في يوم واحد ، فهل تتعدّد الكفّارة حينئذ أيضاً ، أو لا ؟ أو يفصّل بين اختلاف الجنس ووحدته أو بين تخلّل التكفير في البين وعدمه ؟
فيه أقوال ، ومحلّ الكلام فعلا ما عدا الجماع وما يلحق به من الاستمناء .
المشهور والمعروف عدم التعدّد وأ نّه ليست عليه إلاّ كفّارة واحدة وإن كان آثماً في التكرير .
وذهب جماعة ـ منهم : المحقّق والشهيد الثانيان(1) ـ إلى التعدّد مطلقاً .
وعن العلاّمة في المختلف التكرّر بشرط تغاير الجنس أو تخلّل التكفير، ومع انتفائهما فكفّارة واحدة(2).
وكأنّهم بنوا النزاع على أنّ الأصل هو التداخل أو عدمه ، أو يفصّل بين التغاير أو التخلّل ، فالأصل عدم التداخل ، وإلاّ فالأصل هو التداخل ، ولأجل ذلك بنى ثاني الشهيدين والمحقّقَين على أصالة عدم التداخل مطلقاً ، ولكن العلاّمة بنى على أصالة التداخل إلاّ في الموردين المزبورين .
والظاهر أنّ شيئاً من ذلك لا يتمّ فلا تجب في المـقام إلاّ كفّارة واحدة على جميع التقادير ، أي سواء قلنا بأنّ الأصل هو التداخل أو عدمه أو التفصيل ، وذلك لأنّ الأسباب في محلّ الكلام لايتصوّر فيها التعدّد كي يبحث عن تداخلها وعدمه ، إذ الكفّارة لم تترتّب في شيء من النصوص على عنوان الأكل أو الشرب أو الارتماس ونحوها من ذوات المفطرات ما عدا الجماع وما يلحق به كما ستعرف ، وانّما ترتّبت على عنوان الإفطار مثل قوله (عليه السلام) : «من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جامع المقاصد 3 : 70 ، المسالك 2 : 36 .
(2) المختلف 3 : 316 .
ــ[341]ــ
وأمّا الجماع فالأحوط بل الأقوى تكريرها بتكرّره (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفطر متعمداً فعليه الكفّارة» فالإفطار هو السبب والموجب لتعلّق الكفّارة ، ومن البديهي أ نّه لا معنى للإفطار بعد الإفطار ، إذ هو نقض الصوم وعدمه المتحـقّق بأول وجود لاستعمال ما يجب الإمساك عنه ، فإنّ الصوم والإفطار متضادّان على ما مرّ مراراً ، وأحدهما مقابل للآخر حتّى في الاستعمال الدارج في ألسنة العوام ، فيقال على فطورك ، أي عند رفع اليد عن الأمساك ، فالصائم هو الممتنع عن تلك الاُمور ، ويقابله المفطر وهو غير الممتنع فإذا نقض صومه فقد أفطر فليس هو بصائم بعد ذلك ، ولو فرض أ نّه وجب عليه الإمساك حينئذ أيضاً فهو حكم آخر ثبت بدليل آخر ، فعنوان الصوم والإفطار ممّا لا يجتمعان أبداً بحيث يقال له فعلا أ نّه مفطر صائم ، وعليه فقد تحقّق الإفطار بالوجود الأوّل وتعلّقت الكفّارة وانتقض الصوم وانعدم ، ومعه لا يتصوّر إفطار ثان كي يبحث عن تداخله أو عدمه مطلقاً أو مع التفصيل ، فكأنّهم اسـتفادوا أنّ الكفّارة مترتّبة على تناول ذات المفطر من عنوان الأكل والشرب ونحو ذلك ، مع أ نّه لم يوجد ما يدلّ عليه حتّى رواية ضعيفة ، بل الموجود ترتّب الكفّارة على عنوان الإفطار الذي له وجود واحد لا يقبل التكرير حسبما عرفت ، من غير فرق في ذلك بين اتّحاد الجنس واختلافه ، أو تخلّل التكفير وعدمه كما هو ظاهر جدّاً .
(1) فإنّ المذكور في بعض النصوص وإن كان هو ترتّب الكفّارة على جماع الصائم المنتفي لدى تحقّق الجماع الثاني ، إلاّ أنّ الموضوع للحكم في جملة كثيرة منها هو عنوان الجماع أو الوقاع الشامل بإطلاقه لحالتي التلبّس بالصوم وعدمه ، بحيث يظهر منها أنّ الموضوع للكفّارة هو الجماع في نهار شهر رمضان ممّن هو مكلّف بالصوم ، سواء أكان صائماً بالفعل أم لا ، ولأجله كان تكرّر السبب وتعدّد الموجب متصوّراً في المقام .
ــ[342]ــ
وعليه ، فتبتني المسألة على أنّ مقتضى الأصل لدى اجتماع الأسباب هل هو التداخل أو عدمه؟ وبما أنّ المحقّق في محلّه هو العدم ـ أخذ بإطلاق أدلّة الأسباب الظاهرة في الانحلال ، وأنّ كلّ فرد سبب مستقلّ لترتّب الأثر عليه ، سواء لحقه أو سبقه فرد آخر أم لا ـ فلا مناص من الالتزام بتعدّد الكفّارة في المقام ، عملا بأصالة عدم التداخل المقتضية لوجوب التكرار .
ودعوى الانصراف في النصوص المذكورة إلى الجماع المفطر ، فغيره ـ وهو الجماع اللاّحق ـ خارج عن منصرف تلك النصوص .
ممّا لم نتحقّقها ولم نعرف لها وجها أبداً ، فإنّها بلا بيّنة ولا شاهد ، فإطلاق الجماع في تلك النصوص السليم عمّا يصلح للتقييد هو المحكّم .
ويلحق بالجماع : الاستمناء ، فإنّ الكفّارة المتعلّقة به مترتّبة أيضاً على عنوان الإمناء ، لأجل العبث بالأهل ونحوه الشامل للصائم بالفعل وعدمه ، الصادق على الوجود الأوّل وما بعده .
فالأظهر تكرّر الكفّارة في الجماع كما نُسِب إلى السيّد المرتضى وقوّاه في المستند(1) ، بل وفي الاستمناء أيضاً حسبما عرفت، استناداً إلى أصالة عدم التداخل ، فالحكم مطابق لمقتضى القاعدة .
وأمّا النصوص الخاصّة الدالّة على ذلك فكلّها ضعيفة ولا تصلح إلاّ للتأييد ، وهي روايات ثلاثة :
إحداها : رواية الجرجاني(2) ، المشتمل سندها على عدّة من المجاهيل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخلاف 2 : 189 ـ 190 ، المستند 10 : 528 .
(2) الوسائل 10 : 55 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 1 .
|