ــ[192]ــ
[ 2151 ] المسألة الثامنة عشرة : إذا علم إجمالاً أ نّه أتى بأحد الأمرين من السجدة والتشهّد من غير تعيين وشك في الآخر(1) ، فان كان بعد الدخول في القيام لم يعتن بشكّه ، وإن كان قبله يجب عليه الإتيان بهما ((1)) لأ نّه شاك في كلّ منهما مع بقاء المحلّ ، ولا يجب الإعادة بعد الإتمام وإن كان أحوط .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو تنازلنا عمّا ذكرناه ولم يتم ما استظهرناه من اختصاص الغير بالجزء المترتِّب فغايته الإجمال والتردّد بين ذلك وبين إرادة مطلق الغير ، والمرجع بعد إجمال القاعدة الساقطة حينئذ عن الاستدلال إنّما هو دليل الاستصحاب الّذي هو بمثابة العام المخصّص بالقاعدة .
ومن المقرّر في محلّه (2) أنّ المخصّص المجمل الدائر بين الأقل والأكثر يقتصر فيه على المقدار المتيقّن ، ويرجع فيما عداه إلى عموم العام ، والمتيقّن في المقام خصوص الجزء المترتِّب . ففي الزائد عليه وهو مطلق الغير يتمسّك بأصالة عدم الإتيان بالسجدة المشكوكة ، فيتّحد بحسب النتيجة مع ما استظهرناه من لزوم الاعتناء بالشك والإتيان بالسجدة كالتشهّد ، بلا حاجة إلى إعادة الصلاة .
(1) بأن احتمل الإتيان به أيضاً ، فكان أطراف الاحتمال ثلاثة : الإتيان بهما معاً ، أو بخصوص السجدة ، أو بخصوص التشهّد ، فكان عالماً بأحدهما من غير تعيين ، وشاكّاً في الإتيان بالآخر .
لا إشكال حينئذ في عدم الاعتناء بالشك فيما لو كان ذلك بعد الدخول في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل يجب عليه الإتيان بالتشهّد فقط ، لأنّ السجدة إمّا قد أتى بها أو أنّ الشك فيها بعد تجاوز المحل .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 180 .
ــ[193]ــ
القـيام كما أفاده في المـتن ، لكون الشك في كلّ منهما بعد التجاوز عن المحـل فتجري قاعدة التجاوز في خصوص كلّ من الطرفين من غير معارض ، بل الحال كذلك وإن لم يعلم بأحدهما ، فكانت أطراف الاحتمال أربعة بزيادة احتمال تركهما معاً ، فانّ كلّ واحد منهما بخصوصه مشكوك بعد التجاوز فيكون مشمولاً للقاعدة .
وبالجملة : العلم بالجامع الانتزاعي لا ينافي الشك في خصوص كلّ من الطرفين ، كما لا يمنع عن جريان القاعدة في كلّ منهما ، فتجري فيهما من غير تعارض بعد كون المعلوم بالإجمال هو الإتيان دون النقص ، وهذا ظاهر .
إنّما الكلام فيما لو كان ذلك حال الجلوس وقبل الدخول في القيام ، فقد ذكر الماتن (قدس سره) حينئذ وجوب الإتيان بهما معاً ، نظراً إلى أ نّه شاك في كلّ منهما مع بقاء المحل ، فيجب الإتيان بمقتضى الاستصحاب وقاعدة الشك في المحل .
وقد يقال بأ نّه لو عاد إليهما وتداركهما يعلم إجمالاً إمّا بالزيادة القادحة أو بوجوب سجود السهو ، لأ نّه بحسب الواقع إن كان آتياً بهما معاً أو بخصوص السجدة فما يأتي به فعلاً من السجدة أو هي مع التشهّد مصداق للزيادة ، وبما أ نّها عمدية للإتيان بهما عن علم والتفات فهي توجب البطلان .
وإن كان آتياً بخصوص التشهّد فبما أ نّه واقع في غير محلّه ووجوده كالعدم فوظيفته فعلاً الإتيان بالسجدة والتشهّد وقد فعل ، إلاّ أنّ التشهّد السابق زائد حينئذ فيلزمه السجود للسهو . فيعلم إمّا بالبطلان أو بسجود السهو للتشهّد الزائد ، فلا يمكن معه تصحيح الصلاة .
وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أنّ الإتيان بالسجدة والتشهّد بعد فرض كون الشك في المحل إنّما هو بأمر من الشارع بمقتضى دليل الاستصحاب ، فهو مأمور
ــ[194]ــ
بالإتيان بهما بقصد الجزئية بمقتضى الوظيفة الشرعية الظاهرية ، ومثله لا يكون من الزيادة العمدية القادحة في شيء ، إذ هي عبارة عن الإتيان بشيء بعنوان الجزئية من تلقاء نفسه وبغير مسوّغ شرعي ، المنفي فيما نحن فيه كما عرفت .
فتلك الزيادة غير منطبقة على المقام قطعاً ، بل هو ملحق بالزيادة السهوية غير المستتبعة للبطلان بعد عدم كون الزائد في المقام من الأركان ، غاية الأمر أ نّه بعد الإتيان بهما يعلم إجمالاً بحصول زيادة سهواً إمّا في السجدة أو في التشهّد ، فيجب عليه سجود السهو لأحدهما إن قلنا بوجوبه لكلّ زيادة ونقيصة ، وإلاّ فلا شيء عليه ، هذا .
والتحقيق عدم الحاجة إلى تدارك السجدة ، للعلم بسقوط أمرها إمّا للإتيان بها ، أو لأنّ المأتي به لو كان بحسب الواقع هو التشهّد فالشك في السجدة حينئذ شك بعد التجاوز المحكوم بعدم الاعتناء ، فلا يجب الإتيـان بها على أيّ حال إمّا للإتيان بها واقعاً أو لكونها محكومة بالإتيان ظاهراً . فليس عليه إلاّ الإتيان بالتشهّد فقط ، لكون الشك بالإضافة إليه من الشك في المحل .
وتوضيح ما ذكرناه : أنّ المعلوم بالإجمال في موارد العلم الإجمالي إنّما هو العنوان الانتزاعي ، وهو عنوان أحدهما على سبيل منع الخلوّ ، وهذا قد يكون له مطابق خارجي وتعيّن واقعي ويكون ممتازاً عن غيره في العلم الإلهي وإن لم ينكشف لدينا إلاّ بالجامع الانتزاعي والعنوان الإجمالي ، كما لو شاهدنا أنّ زيداً مقتول وتردّد قاتله بين شخصين مثلاً ، فانّ القاتل المعلوم بالإجمال المردّد بينهما له تقرّر واقعي وتشخّص خارجي ، غاية الأمر أ نّه لم ينكشف لدينا إلاّ بهذا المقدار .
وقد لا يكون له تعيّن وامتياز حتّى في صقع الواقع ونفس الأمر ، ولا يكون له مطابق خارجي وراء الجامع الانتزاعي المنكشف ، كما لو علمنا بنجاسة أحد
ــ[195]ــ
الاناءين إجمالاً وكان بحسب الواقع كلاهما نجساً ، فانّه ليس في البين واقع معيّن ممتاز عن غيره في علم الله ليكون هو المعلوم بالإجمال ، بل التردّد والإبهام الحاصل في مرحلة الظاهر ثابت في متن الواقع أيضاً ، ولا يزيد أحدهما على الآخر بشيء . فلا واقع للمعلوم بالإجمال وراء ما انكشف لدينا من الجامع الانتزاعي وهو عنوان أحدهما القابل للانطباق على كلّ منهما .
وإذ تمهّد هذا نقول : إذا علمنا إجمالاً بالإتيان بواحد من السجدة والتشهّد وشككنا في وجود الآخر ، فتارة يكون المأتي به الواقعي كليهما معاً ، واُخرى خصوص السجدة ، وثالثة خصوص التشهّد .
أمّا في الأوّل فليس للمعلوم بالإجمال مطابق خارجي وتعيّن واقعي حسبما عرفت ، لفرض حصولهما معاً . فقد سقط أمرهما جزماً في مرحلة الواقع وإن لم ينكشف لدينا إلاّ عنوان أحدهما .
وأمّا في الأخيرين فللمعلوم الإجمالي حينئذ مطابق وتعيّن في متن الواقع فان كان هو السجدة فقد سقط أمرها أيضاً واقعاً ، وإن كان هو التشهّد فالسجدة وإن كانت متروكة حينئذ بحسب الواقع ولم يسقط أمرها ، إلاّ أ نّها مشكوكة الترك لدينا وجداناً ، لتطرّق احتمال الإتيان بهما حسب الفرض ، إذ لم ينكشف بمقتضى العلم إلاّ الإتيان بأحدهما على سبيل منع الخلوّ ، غير المانع عن احتمال الجمع بينهما .
فبالأخرة على تقدير تحقّق التشهّد نشك في الإتيـان بالسـجدة بالضرورة وبما أنّ هذا الشك عارض بعد الدخول في الغير وهو التشهّد فهو محكوم بعدم الاعتناء بمقتضى قاعدة التجاوز .
فبحسب النتيجة أ نّا نجزم بعدم تعلّق الأمر الفعلي بالسجدة الجامع بين الأمر الواقعي والظاهري ، لسقوط الأمر بها واقعاً في الصورتين الأولتين ، وظاهراً في
|