ــ[277]ــ
[1944] مسألة 22 : يجب الإخفات في القراءة خلف الإمام وإن كانت الصلاة جهرية ، سواء كان في القراءة الاستحبابية كما في الأوّلتين مع عدم سماع صوت الإمام ، أو الوجوبية كما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقول : أمّا في فرض الاعتقاد فلا ينبغي الإشكال في صحّة الجماعة فضلا عن الصلاة وإن استلزم الإخلال بالمتابعة خارجاً ، فانّها إنّما تجب لاقتضاء مفهوم الائتمام ذلك كما مرّ ، ومن الواضح أنّ الائتمام إنّما يستدعي المتابعة فيما يعتقد المأموم أنّه متابعة ، لا واقعها وإن لم يعلم بها .
والمفروض في المقام اعتقاده إمهال الإمام ، وأنّ التخلّف لا يضرّ بالمتابعة لتخيّله إدراكه في الركوع . فانكشاف الخلاف لا يضرّ بالمتابعة الواجبة عليه بعد أن لم يكن قادحاً في صدق الائتمام العرفي(1) .
ومن هنا لو سها وتخلّف عنه في بعض الأفعال نسياناً صحّت جماعته ، ولم يكن قادحاً في العمل بالمتابعة اللازمة عليه بلا إشكال .
وأمّا في فرض العمد : فالظاهر بطلان الجماعة وانقلابها فرادى ، للإخلال عامداً بالمتابعة المشروط صحّة الجماعة بها . ومنه يظهر الحال في تعمّد القنوت نعم بناءً على وجوب المتابعة نفساً لا شرطاً ـ كما عليه الماتن ـ صحّت جماعته وإن كان آثماً ، وعليه يبتني ما هو المذكور في المتن من عدم البطلان في المقام .
(1) لا كلام في وجوب الإخفات في الصلاة الإخفاتية كالمسبوق بركعة أو بركعتين في الظهرين ، كما لا كلام في وجوبه في الجهرية في القراءة الوجوبية كالمأموم المسبوق بركعة أو ركعتين فيها ، للتصريح به في صحيحة زرارة المتقدّمة ، قال (عليه السلام) فيها : «قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه باُمّ الكتاب وسورة»(2) فانّ قوله : «في نفسه» صريح في الإخفات .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا ينطبق هذا على ما في الطبعة الأخيرة من تعليقته الشريفة (دام ظلّه) فلاحظ .
(2) الوسائل 8 : 388 / أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4 .
ــ[278]ــ
إنّما الكلام في القراءة الاستحبابية كما في الأولتين من الجهريّة مع عدم سماع صوت الإمام حتّى الهمهمة ، حيث يستحبّ فيهما القراءة للمأموم ـ كما مرّ(1) ـ فهل يتعيّن عليه الإخفات حينئذ أو الجهر أو يتخيّر بين الأمرين ؟ وجوه ، بل أقوال .
اختار في المستند الأخير(2) بدعوى قصور أدلّة الجهر عن الشمول للمقام لانصرافها إلى القراءة الواجبة كما في الإمام والمنفرد . وحيث لا دليل على الإخفات أيضاً فلا محالة يتخيّر بينهما .
وقد يقال بتعيّن الجهر ، نظراً إلى خلوّ نصوص الباب عمّا يدلّ على وجوب الإخفات في المقام ، وعليه فبما أنّ الأمر الاستحبابي المتعلّق بالقراءة ظاهر في اتّحاد المأمور به مع قراءة المنفرد في جميع الخصوصيات حتّى من حيث الجهر والإخفات ، فنفس تلك الماهية على ما هي عليه مورد للاستحباب ، وبما أنّ الجهر معتبر في تلك القراءة لكون الصلاة جهرية فكذا في المقام .
ولكن الظاهر تعيّن الإخفات كما اختاره في المتن ، وتدلّنا عليه ـ مضافاً إلى ما ورد في المأموم المسبوق من أنّه يخفت كما مرّ، وما ورد في إسماع الإمام وإنصات المأموم له ، وعدم رفع صوته في أذكاره وأقواله ، حيث يستأنس منها أنّ الإخفات للمأموم من أحكام الجماعة وخصوصياتها على الإطلاق ، من غير اختصاص لمورد دون مورد ـ صحيحة قتيبة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك . . .» إلخ(3) .
فانّ قوله : «لنفسك» بمثابة قوله : في نفسك ، أي في ضميرك ، وهو كناية عن الإخفات ، وإلاّ فكلّ أحد يقرأ لنفسه لا لغيره .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 215 وما بعدها .
(2) المستند 8 : 150 .
(3) الوسائل 8 : 357 / أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7 .
ــ[279]ــ
ولو جهر جاهلا أو ناسياً لم تبطل صلاته (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذه الصحيحة ظاهرة في وجوب الإخفات في محلّ الكلام ، وكأنّ دعوى خلوّ النصّ عمّا يدلّ على الإخفات في المقام نشأت عن الغفلة من ملاحظة هذه الصحيحة . وكيف ما كان ، فهذه الصحيحة هي عمدة المستند .
وتشهد له أيضاً السيرة القطعية العملية من المتشرّعة المتّصلة إلى زمن المعصومين (عليهم السلام) فانّها قائمة على مراعاة الإخفات ، ويلتزمون به في مقام العمل(1) .
(1) أمّا في فرض النسيان فلا إشكال فيه ، ولا أقلّ من أجل حديث لا تعاد(2) . وأمّا في فرض الجهل فربما يستشكل فيه كما عن غير واحد ، ولعلّه من أجل التشكيك في شمول الحديث لصورة الجهل ، فانّ المتيقّن منه إنّما هو النسيان ، بل قد أصرّ شيخنا الاُستاذ (قدس سره) على الاختصاص به(3) . لكنّا ذكرنا غير مرّة في مطاوي هذا الشرح أنّ الحديث غير قاصر الشمول لصورة الجهل ، ولا وجه لتخصيصه بالناسي ، بل يعمّ مطلق المعذور ، هذا .
ومع الغضّ عن ذلك ففي خصوص المقام يحكم بالصحّة ، لعدم كون الإخفات والجهر من الشرائط الواقعية كي يحكم بالبطلان لدى الإخلال بهما وإنّما هما من الشرائط الذكرية ، ولا يجب مراعاتهما إلاّ في حال العلم والالتفات للتصريح في صحيح زرارة بعدم البأس فيما لو أخلّ بهما جاهلا ، عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : أىّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السيرة لا تدلّ إلاّ على المشروعية والاستحباب دون الوجوب ، كما هو الحال في القنوت على ما تكرّر منه (دام ظلّه) سابقاً .
(2) الوسائل 1 : 371 / أبواب الوضوء ب 3 ح 8 .
(3) كتاب الصلاة 3 : 5 .
|