عدم اعتبار الجريان من الميزاب في اعتصام ماء المطر خلافاً للطوسي وابن حمزة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8402


    عدم اعتبار الجريان من الميزاب

  (1) نسب إلى الشيخ الطوسي (قدس سره) اعتبار الجريان من الميزاب في عدم انفعال ماء
المطر(1)، كما نسب إلى ابن حمزة اعتبار الجريان الفعلي في اعتصامه فلا اعتصام في المطر غير الجاري مطلقاً أو غير الجاري من الميزاب (2) .

   ولا يمكن المساعدة على شيء منهما ، فانّه إن اُريد بذلك اعتبار الجريان الفعلي من الميزاب وأن ما لا يجري من الميزاب بالفعل لا يحكم عليه بالاعتصام . ففيه : أنه أمر لا يحتمل اعتباره بل ولا يناسب أن يحتمله متفقه فضلاً عن الفقيه ، فان لازمه عدم اعتصام المطر في سطح لا ميزاب له ، أو له ميزاب إلاّ أنه مرتفع الأطراف ، وهو يسع مقداراً كثيراً من الماء فان المطر في مثله أيضاً لا يجري من الميزاب ولو مع كثرته وغزارته ، وكذا إذا نزل المطر على الأرض فانّه على هذا محكوم بعدم الاعتصام لعدم جريانه من الميزاب وإن كان كثيراً . وهذه الاُمور كما ترى لا يمكن التزامها . وأمّا الروايتان المشتملتان على لفظة الميزاب فلا دلالة لهما على اعتبار الجريان الفعلي من الميزاب بوجه ، لأنه إنما ذكر فيهما في كلام الإمام (عليه السلام) تبعاً لذكرهما في كلام السائل لا لأجل مدخلية ذلك في الحكم بالاعتصام .

   وكذا احتمال اعتبار الجريان الفعلي ولو من غير الميزاب فانّه مما لا محصل له ، إذ لازمه عدم اعتصام المطر إذا وقع على أرض رملية فان المطر لا يجري في مثلها وإن دام يوماً وليلة بغزارة لعدم تماسك أجزائها ، ويختص اعتصامه بما إذا وقع على أرض صلبة يجري فيها المطر ، وهذا مما نقطع بفساده فكيف يمكن الالتزام باعتصام المطر في السطوح الصلبة وبعدمه فيمايتصل بها من السطوح الرخوة ، فهذان الاحتمالان باطلان .

   نعم ، اعتبار الجريان الشأني والتقديري كما نسب إلى المحقق الأردبيلي (قدس سره)(3) أمر محتمل في نفسه بأن يكون المطر بمقدار لو نزل على سطح صلب جرى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 1 : 411 .

(2) الوسيلة : 73 .

(3) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 256 .

ــ[214]ــ

عليه ، وإن لم يتصف بالجريان فعلاً لعدم تماسك أجزاء الأرض التي وقع عليها المطر فان هذا الاحتمال من الامكان بمكان لا استبعاد فيه ، وإن كان اثباته يتوقف على اقامة الدليل عليه .

   نعم ، إذا قلنا إن صدق عنوان المطر يتوقف على الجريان خارجاً فلا نحتاج في اعتبار الجريان في اعتصامه إلى دليل ، لأنه على الفرض مقوم لصدقه وعنوانه . وأمّا إذا منعنا هذا التوقف بصدق المطر ولو مع عدم الجريان ـ  كما إذا نزل بالرشح  ـ فلا محالة يتوقف اعتبار الجريان في اعتصام المطر على إقامة دليل ، ولا بدّ حينئذ من ملاحظة روايات الباب كصحيحة علي بن جعفر المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) «إذا جرى فلا بأس به ...» .

   فيقع الكلام في دلالتها على اشتراط الجريان ـ  ولو بالقوة والشأن  ـ في اعتصام المطر وعدمها . والصحيح عدم دلالتها على ذلك : لأن معنى الجريان المذكور في الصحيحة أحد أمرين :

   أحدهما : ما ذكره شيخنا الهمداني (قدس سره) من أن المراد بالجريان جريان الماء من السماء، وعدم انقطاع المطر، فالصحيحة تدل على أن اعتصام ماء المطر مختص بما إذا تقاطر من
السماء(1) . وما أفاده (قدس سره) لا يخلو عن بعد فان الجريان لا يطلق على نزول المطر من السماء .

   وثانيهما : أن يكون بمعنى الجريان الفعلي ولكنه في خصوص موردها وهو الكنيف لا على وجه الاطلاق بيان ذلك : أن مورد السؤال في الصحيحة هو البيت الذي يبال على ظهره، وظاهرها أن ظهره اتخذ مبالاً كما جرت عليهم عادتهم في القرون المتقدمة ومن البديهي أن مثله مما يرسب فيه البول وينفذ في أعماقه لكثرة البول عليه ، فاذا نزل عليه مقدار من الماء ولم يجر عليه يتأثر بآثار البول في السطح ويتغيّر بها لا محـالة ولأجل هذا اعتبرت الكثرة وجريان ماء المطر عليه لئلاّ يقف فيتغيّر بآثار الأبوال فانّه يوجب الانفعال ولا سيما أن السطح المتخذ مبالاً لا يخلو عادة من عين العذرة وغيرها من أعيان النجاسات . وبالجملة الماء الذي يرد على مثله يتغيّر بسببها إلاّ أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 646 السطر 11 .

ــ[215]ــ

يجري ولا يقف عليه . فهذه الصحيحة من جملة أدلّة القول المختار من أن التغيّر بالمتنجس الحامل لأوصاف النجس ـ كالسطح في الرواية ـ يوجب الانفعال ، ولم ترد الصحيحة لبيان كبرى كلية حتى يقال إن المورد لا يكون مخصصاً ، وإنما وردت في خصوص الكنيف فلا يستفاد منها اعتبار الجريان الفعلي في المطر بوجه .

   بل المدار في الصحيحة على صدق عنوانه عرفاً . بأن لا يكون قطرة أو قطرتين ونحوهما ، فاذا صدق عليه عنوان المطر فمجرد إصابته يكفي في الحكم بطهارة المتنجس إن لم يكن حاملاً لعين النجاسة ، وأمّا مع وجود العين فيه فيشترط في اعتصام المطر ومطهريته لمثله أن يكون قاهراً على النجس لئلاّ يتغيّر به كما دلت عليه صحيحة هشام ، حيث ورد فيها «لأن الماء أكثر» وأمّا غير الصحيحة المتقدمة من الأخبار المشتملة على لفظة الجريان فدلالتها على اعتبار الجريان أضعف ، مضافاً إلى ما في سند بعضها من الضعف .

   منها : ما رواه الحميري عن عبدالله بن الحسن عن جده علي بن جعفر «... وسألته عن الكنيف يكون فوق البيت ، فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أيصلى فيها قبل أن تغسل ؟ قال : إذا جرى من ماء المطر فلا بأس» (1) وهي كما أشرنا إليه ضعيفة سنداً ودلالة . أمّا سنداً فلأجل عدم توثيق عبدالله بن الحسن في الرجال . وأمّا دلالة فلأن السائل قد فرض أن في الكنيف مائعاً يجري عليه ، فأجابه (عليه السلام) بأن ما فرض جريانه إن كان من ماء المطر فهو محكوم بالطهارة وإن كان من البول فلا ، فالجريان مفروض في مورد السؤال والحكم بالطهارة معلق على كونه من ماء المطر لا من غيره ، فلا دلالة في الرواية على اعتبار الجريان في الحكم باعتصام المطر .

   ومنها : صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال : إذا جرى به المطر فلا بأس» (2) والوجه في ضعف دلالتها أن الراوي فرض وجود العذرة في المكان ، ومن الظاهر أن الماء الذي يرد على العذرة يتغيّر بها في أقل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 145 / أبواب الماء المطلق ب 6 ح 3 .

(2) الوسائل 1 : 148 / أبواب الماء المطلق ب 6 ح 9 .

ــ[216]ــ

بل وإن كان قطرات بشرط صدق المطر عليه . وإذا اجتمع في مكان وغسل فيه النجس طهر وان كان قليلاً لكن ما دام يتقاطر عليه من السماء (1) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زمان فينفعل بملاقاتها . اللّهم إلاّ أن يجري ولا يقف عليها ولا سيما إذا كانت العذرة رطبة ، فان تأثيرها في تغيّر الماء الوارد عليها أسرع من يابسها ، فمفاد الرواية على هذا أن ماء المطر ينفعل إذا تغيّر بالعذرة ، وإذا لم يتغيّر بها ـ  كما إذا جرى عليها  ـ فهو ماء معتصم ، فلا دلالة في شيء من الأخبار على اعتبار الجريان في المطر ، بل الميزان في الاعتصام هو صدق عنوان المطر عرفاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net