ــ[130]ــ
غير المأكول والملبوس(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فلا يجوز السجود عليهما بلا خلاف ، بل إجماعاً كما ادعاه غير واحد ، ويقتضيه غير واحد من النصوص المعتبرة التي منها صحيحة هشام المتقدمة .
نعم ، ورد في بعض النصوص جواز السجود على القطن والكتان ، وبعد ملاحظة انحصار الملبوس مما أنبتته الأرض فيهما إلاّ نادراً يكاد يلحق بالعدم كالمتخذ من الخوص ونحوه ، فلا محالة تقع المعارضة بين هذه النصوص وبين الروايات المتقدمة المانعة عن السجود على الملبوس ، فلا بد من العلاج . وهذه النصوص ثلاثة :
أحدها : خبر ياسر الخادم قال : «مرّ بي أبو الحسن (عليه السلام) وأنا اُصلّي على الطبري وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه ، فقال لي : ما لك لا تسجد عليه ، أليس هو من نبات الأرض»(1) .
الثانية : رواية داود الصرمي قال : «سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) : هل يجوز السجود على القطن والكتّان من غير تقية ؟ فقال : جائز»(2) .
الثالثة : رواية الصنعاني قال : «كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتّان من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب إليَّ : ذلك جائز»(3) .
لكن الرواية الاولى مضافاً إلى ضعف سندها من جهة ياسر لعدم ثبوت وثاقته(4) قاصرة الدلالة ، لعدم وضوح المراد من الطبري ، وإن قيل إنه ثوب منسوب إلى طبرستان مأخوذ من القطن أو الكتّان(5) ، لكنه لم يثبت ، ولعله شبه الحصير ونحوه ، والمسلّم أنه شيء منسوب إلى تلك البلدة .
والرواية الأخيرة ضعيفة السند من جهة الصنعاني فانه مهمل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) ، (3) الوسائل 5 : 348 / أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 5 ، 6 ، 7 .
(4) لكنه من رجال تفسير القمي ، لاحظ المعجم 21 : 9/13438 .
(5) مجمع البحرين 3 : 376 .
ــ[131]ــ
والعمدة إنّما هي الرواية الثانية ، فإن الصرمي وإن لم يوثّق في كتب الرجال ، لكنه مذكور في أسانيد كامل الزيارات . فالرواية موثقة(1) وقد جمع بينها وبين الروايات المتقدمة بالحمل على الكراهة .
لكنه كما ترى لا مسرح له في مثل المقام مما ورد النفي والاثبات على موضوع واحد بلسان الجواز وعدمه ، وإنما يتجه فيما إذا كان أحد الدليلين ظاهراً في المنع ، والآخر نصّاً في الجواز أو أظهر منه ، فيرفع اليد عن الظهور بنصوصية الآخر أو أظهريته ، كما إذا ورد النهي عن شيء وورد الترخيص في ارتكابه ، كقوله : لا تفعل كذا مع قوله : لا بأس في الاتيان به .
وأما في المقام فالدلالتان على حد سواء ظهوراً أو صراحة ، وقد دلت هذه الرواية على الجواز صريحاً ، والروايات المتقدمة على عدم الجواز كذلك ، ومثلهما يعدّان متعارضين لدى العرف ، وليس أحدهما أظهر من الآخر ، فالحمل على الكراهة في مثله ليس من الجمع العرفي في شيء كما لا يخفى .
فالمتعيّن هو الرجوع إلى المرجّح السندي بعد امتناع الجمع الدلالي ، وحيث إنّ تلك الروايات مضافاً إلى أشهريتها وأكثريتها مخالفة للعامة وهذه موافقة لهم ، فلتحمل هذه على التقية لا سيّما في مثل الرواية الأخيرة المشتملة على المكاتبة التي هي أقرب إلى التقية ، ولا ينافيه تصريح الراوي بقوله : من غير تقية ، فانّ فرض عدم التقية من قبل الراوي لا يؤثّر في تشخيص وظيفة الامام (عليه السلام) من إلقاء الحكم بنحو التقية لو رأى (عليه السلام) تمامية موازينها ، فانه (عليه السلام) أعرف بوظيفته .
ثم إنه ربما يجمع بين الطائفتين بوجهين آخرين :
أحدهما : ما عن الشيخ (قدس سره) من حمل أخبار الجواز على الضرورة(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حسب الرأي السابق ، وقد عدل (دام ظله) عنه أخيراً .
(2) التهذيب 2 : 308 .
ــ[132]ــ
وفيه : ما لا يخفى ، فانه ـ مضافاً إلى كونه جمعاً تبرعياً لا شاهد عليه ـ ينافيه التقييد بعدم الضرورة في نفس الأخبار كما في خبر الصنعاني المتقدم ، ومن البعيد جدّاً إعراض الامام (عليه السلام) عن بيان حكم عدم الضرورة الذي فرضه السائل والتعرض لحكم الضرورة .
ثانيهما : حمل أخبار الجواز على مادة اللباس وهي القطن والكتّان قبل الغزل والنسج ، وأخبار المنع على ما بعدهما المتصف باللباس فعلاً ، ويجعل الشاهد على هذا الجمع رواية تحف العقول عن الصادق (عليه السلام) في حديث «قال : وكل شيء يكون غذاء الانسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود ، إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصلاة عليه إلاّ في حال ضرورة»(1) .
وفيه : أنّ الرواية ضعيفة السند بالارسال ، فلا تصلح شاهدة للجمع . على أنّ أخبار المنع في نفسها آبية عن هذا الحمل ، فإنّ ما أكل أو لبس استثناء عن نبات الأرض ، فلا بد من صدق عنوان النبات عليه رعاية لاتصال الاستثناء الذي هو الظاهر منه ، ولا يتحقق ذلك إلاّ قبل معالجته بالنسج أو الطبخ ، وإلاّ فبعد العلاج لا يصدق عليه نبات الأرض وإنما هو شيء متخذ منه مع مباينته معه فعلاً ، فلا يكون الاستثناء متصلاً ، ومرجع ذلك إلى إرادة القابلية مما اُكل أو لبس ، فكما أنّ الحنطة مثلاً لا يجوز السجود عليها لكونها من نبات الأرض القابل للأكل وإن لم يكن مأكولاً فعلاً ، فكذا القطن فانه قابل للبس بحسب طبعه وإن لم يكن كذلك فعلاً إلاّ بالعلاج من غزل ونسج .
نعم ، لو ورد في دليل المنعُ عن السجود على الملبوس ، وفي دليل آخر جواز السجود على القطن ، أمكن الجمع المزبور بالحمل على ما قبل النسج وما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 346 / أبواب ما يسجد عليه ب1 ح11 ، تحف العقول : 338 .
ــ[133]ــ
نعم يجوز على القرطاس أيضاً(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعده ، لكن قرينة الاستثناء في المقام مانعة عن ذلك كما عرفت .
ويؤيد ما ذكرناه : التعبير عن المستثنى بما اُكل أو لبس بصيغة الماضي ـ دون المضارع ـ الدالة على تحققه خارجاً ، فانّ ما أكل قد انعدم ، فلا موضوع له كي يسجد عليه ، فيكشف عن أنّ المراد ما أكله الناس خارجاً أو لبسه بعد إعمال العلاج ، لكونه بحسب طبعه قابلاً لذلك قبال ما يكون فاقداً لهذه القابلية من سائر أنواع نبات الأرض ، فيكون مصداقه نفس القطن أو الكتّان قبل اتصافهما بالملبوسية ، فتتحقق المعارضة ـ لا محالة ـ بينها وبين ما دل على الجواز ، فهذا الجمع أيضاً يتلو سوابقه في الضعف .
فلا مناص من اختيار ما ذكرناه في استقرار المعارضة بين الطائفتين ولزوم الرجوع إلى المرجّح السندي ، وقد عرفت أنّ مقتضاه حمل أخبار الجواز على التقية .
(1) الكلام هنا يقع من جهتين : إحداهما : في أصل جواز السجود على القرطاس ولو في الجملة .
ثانيتهما : في جواز السجود عليه حتى إذا كان متخذاً ممّا لا يصح السجود عليه في جنسه من قطن أو صوف أو حرير ونحوها .
أما الجهة الاُولى : فالظاهر عدم الخلاف في الجواز ، بل عليه الاجماع في كثير من الكلمات ، وتشهد له جملة من النصوص المتضمنة لقول المعصوم (عليه السلام) أو فعله :
منها : صحيحة صفوان الجمال قال : «رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماءً»(1) .
وصحيحة علي بن مهزيار قال : «سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 355 / أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح1 .
ــ[134]ــ
السلام) عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها ، هل يجوز السجود عليها أم لا ؟ فكتب : يجوز»(1) .
وصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «أنه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة»(2) . قوله (عليه السلام) : «يسجد» في الصحيحة الأخيرة يمكن أن يكون بالبناء للمعلوم أو للمجهول ، وعلى أيّ حال فهي لا تعارض ما قبلها ، فانّ الكراهة في لسان الأخبار وإن كانت أعم من المصطلحة ، لاطلاقها على الحرام أيضاً ، كما ورد أن علياً (عليه السلام) كان يكره بيع المثل بالمثل مع الزيادة ـ أي الربا ـ (3) لكن المراد بها في المقام هي الكراهة المصطلحة بقرينة الصحيحة السابقة المصرّحة بالجواز المتحد موردها مع هذه الصحيحة ، فغاية ما هناك أن يلتزم بالكراهة في خصوص القرطاس الذي عليه كتابة .
وأما الجهة الثانية : فقد تعرّض لها الماتن (قدس سره) في المسألة الثانية والعشرين الآتية ، لكنّا نقدّمها هنا للمناسبة .
فنقول الأقوال في المسألة ثلاثة :
جواز السجود على القرطاس مطلقاً .
وتقييده بالمتخذ من النبات ، فلا يجوز على ما اتخذ من الصوف أو الحرير .
وتقييد النبات بما كان من جنس ما يصح السجود عليه كالحشيش ونحوه ، فلا يجوز على ما كانت مادّته القطن أو الكتان ، إلاّ إذا قلنا بجواز السجود عليهما اختياراً .
ومنشأ الخلاف الاختلاف في مدلول الأخبار ـ وهي النصوص المتقدمة ـ من حيث السعة والضيق والدلالة على الاطلاق وعدمها .
أما صحيحة صفوان فهي قضية في واقعة وحكاية فعل مجمل العنوان ، فلا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 355 / أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2 .
(2) الوسائل 5 : 356 / أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 3 .
(3) لم نعثر عليه .
ــ[135]ــ
دلالة فيها على الاطلاق بلا ارتياب .
وأما صحيحة علي بن مهزيار فقد رواها في الوسائل بعدّة طرق كلها معتبرة والجميع تنتهي إلى داود بن فرقد عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) فانّ أبا يزيد كنية فرقد ، فما نقله عن الشيخ(1) باسناده عن داود بن يزيد سهو إما من قلم الشيخ أو النسّاخ ، والصواب أبو يزيد كما في طريق الصدوق(2) كما أنّ كلمة «الثالث» المذكورة في طريق الصدوق عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) غلط ، لأنّ داود بن فرقد من أصحاب الكاظم (عليه السلام) وروى عن الصادق (عليه السلام) أيضاً ، فكيف يمكن روايته عن أبي الحسن الثالث وهو الهادي (عليه السلام) فذكره مستدرك ، والصواب (أبي الحسن) المراد به الكاظم (عليه السلام) كما نبّه عليه المعلّق .
هذا من حيث السند ، وأما فقه الحديث فالكواغذ المكتوبة إما عطف بيان على القراطيس ، أو من عطف الخاص على العام ، وعلى أيّ حال فهي تدل على الجواز في القرطاس الذي لم يكتب عليه . أما على الثاني فظاهر ، وأما على الأول فبالتقرير تارة وبالفحوى اُخرى كما لا يخفى ،
وكيف كان فمقتضى الاطلاق الناشئ من ترك الاستفصال عدم الفرق في القرطاس بين ما اتخدت مادته من نبات الأرض أو من غيره كالصوف والحرير فضلا عن كون النبات مما يصح السجود عليه وعدمه .
وأما صحيحة جميل فبعد حمل الكراهة فيها على المصطلحة كما سبق ، فهي تدل على الجواز في القرطاس الذي ليست عليه كتابة بالفحوى ، ومقتضى الاطلاق شمول الحكم للقرطاس بأقسامه ، سواء أكان (يسجد) بالبناء للمعلوم أو للمجهول ، وإن كان الأمر على الثاني أظهر .
هذا وربما يناقش في دلالة النصوص على الاطلاق .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 2 : 235 / 929 .
(2) الفقيه 1 : 176 / 830 .
ــ[136]ــ
أما الصحيحة الاُولى ، فلما مرّ وهو في محله كما عرفت . وأما الصحيحتان الأخيرتان ، فلأنهما لم تردا في مقام بيان تشريع السجود على القرطاس حتى ينعقد الاطلاق ، بل النظر فيهما مقصور على عدم مانعية الكتابة عن السجود على ما يصح السجود عليه من أنواع القرطاس ، فليس الامام (عليه السلام) إلا بصدد الذب عما تخيّله السائل من مانعية الكتابة ، وأنّه لا فرق بين المكتوب وغير المكتوب فيما يصح السجود عليه ، وأما أنّ مصداق ما يصح أيّ شيء فلم يكن (عليه السلام) في مقام بيانه كي يتمسك باطلاق كلامه .
وعليه فلابد من الاقتصار على المقدار المتيقن ، رعاية لما دلّ على المنع عن السجود على غير الأرض ونبتها ، وحينئذ فان منعنا عن السجود على القطن والكتان اختياراً اختص الحكم بالمتخذ من نبات غيرهما كالحشيش ونحوه ، وإلا عمّهما أيضاً . وعلى أيّ حال فلا يشمل الحكم ما اتخذ من غير النبات كالصوف والحرير فضلا عن الشمول لمطلق النبت وإن لم يصح السجود عليه .
وفيه أوّلاً : أنه لا ينبغي الريب في خروج القرطاس عن حقيقة ما اتخذ منه ـ كائناً ما كان ـ واستحالته إلى حقيقة اُخرى ، فهو بالفعل مباين مع مادته في نظر العرف وموجود آخر في قبالها لا يصدق عليه الأرض ولا نباتها ، وإن كانت المادة متخذة منها ، فلا وجه لمراعاة كونها مما يصح السجود عليه بعد تغيّر الصورة النوعية وتبدلها إلى حقيقة اُخرى ، ألا ترى أنّه لو صنع من قرطاس متخذ من الحرير ثوب فانه يجوز لبسه والصلاة فيه ، لعدم كونه عرفاً من مصاديق الحرير .
على أن حمل هذه النصوص ـ الواردة في القرطاس ـ على المتخذ مما يصح السجود عليه ، حمل على الفرد النادر بعد ملاحظة المنع عن السجود على القطن والكتّان كما هو الأقوى على ما عرفت ، فانّ الغالب صنعه منهما دون مثل الحشيش ونحوه الذي هو فرد نادر .
ــ[137]ــ
مضافاً إلى لزوم اللغوية في هذه الأخبار ، لتعذر الاطلاع غالباً على مادة القرطاس ، وأنّها مما يصح السجود عليه أم لا ، إلا بالرجوع إلى أهل الخبرة ومهرة الفن غير المتيسر لأغلب الناس ، مع أنّ من أجزائه النورة التي لا يجوز السجود عليها بعد الطبخ عند المشهور ، وعليه فلا مناص من الاغضاء عن المادة وملاحظة حاله الفعلي ، وحيث إنّه بالفعل لا يعدّ من الأرض ولا من نبتها كما عرفت ، وقد دلت الأخبار على جواز السجود عليه كما مرّ ، فلا مناص من الالتزام بالتخصيص فيما دل على المنع عن السجود على غير الأرض ونباتها ، والالتزام باسثناء القرطاس عن الأدلة المانعة ، لكونه أخص منها مطلقاً ، وحيث لا دليل على تقييده بنوع خاص فيتمسك بالاطلاق في دليل التخصيص .
وثانياً : مع الغض عما ذكر وتسليم عدم الاستحالة نقول : إنّ النسبة بين دليل الجواز وما دل على المنع عن السجود على غير الأرض ونباتها عموم(1) من وجه ، لافتراق الأوّل في القرطاس المتخذ من مثل الحشيش ونحوه ، وافتراق الثاني في غير القرطاس مما لم يكن من الأرض ونبتها ، ومادة الاجتماع هو القرطاس المتخذ من غير الأرض ونبتها كالمتخذ من الصوف أو الحرير ، فيتعارضان فيها ، لكن الترجيح مع الأوّل ، أعني دليل جواز السجود على القرطاس ، إذ لا يلزم منه محذور عدا الالتزام بالتخصيص في الأدلة المانعة عن السجود على غير الأرض ونباتها ، بخلاف العكس ، إذ يلزم من تقديم الثاني وهي الأدلة المانعة المحذور وهو إلغاء عنوان القرطاسية ، وعدم دخله بخصوصه في ثبوت الحكم ، إذ العبرة حينئذ في الجواز بكون ما يسجد عليه من الأرض أو نباتها ، سواء أكان قرطاساً أم غيره ، مع أنّ ظاهر النصوص أن للقرطاس
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا مبني على أن يكون لدليل الجواز عموم أو إطلاق ، والمفروض أنّ المناقش ينكر ذلك ويرى أنه (عليه السلام) لم يكن في مقام البيان لينعقد الاطلاق فلاحظ .
ــ[138]ــ
بعنوانه موضوعية للحكم ، ولهذا الوصف العنواني مدخل في الجواز ، وقد تقرّر في محلّه أنّ العامين من وجه إذا لزم من تقديم أحدهما على الآخر محذور دون العكس قدّم الثاني(1) .
ونظيره تقديم ما دلّ على أن كل طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله وخرئه(2) على قوله : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) ، فان النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه ، إلا أنّ الترجيح مع الأوّل ، إذ لو قدّم الثاني لزم إلغاء عنوان الطيران المخالف لظهور دليل اعتباره كما لا يخفى .
مع أنّه يلزم من تقديم الأدلة المانعة محذور آخر وهو حمل دليل الجواز على الفرد النادر ، بل لغويته من جهة تعذّر الاطلاع غالباً على مادة القرطاس وما اتخذ منه كما أشرنا إليهما آنفاً فلاحظ .
وثالثاً : مع الغض عن جميع ذلك وتسليم استقرار المعارضة من دون مرجّح ، فالمرجع بعد التساقط أصالة البراءة عن تقييد المسجد بعدم كونه قرطاساً متخذاً مما لا يصح السجود عليه ، فانّ المتيقن من التقييد عدم جواز السجود على غير الأرض ونبتها في غير القرطاس ، وأمّا فيه فشك في أصل التكليف يدفع بالبراءة كما هو الشأن في كل ما دار الأمر فيه بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، ولا مجال للرجوع إلى عموم عدم جواز السجود على غير الأرض ونباتها ، لابتلائه بالمعارض في خصوص القرطاس كما هو ظاهر .
فتحصل : أنّ الأقوى جواز السجود على القرطاس مطلقاً ، وإن كان الأحوط عدم السجود على المتخذ من غير النبات ، وأحوط منه اعتبار كون النبات مما يصح السجود عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاصول3 : 265 .
(2) ورد مضمونه في الوسائل 3 : 412 / أبواب النجاسات ب 10 ح 1 .
(3) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .
|