الكلام في وجوب بذل الكفن لمن لا كفن له 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8643


ــ[144]ــ

   [ 921 ] مسألة 22 : إذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن فالظاهر عدم وجوبه على المسلمين ، لأنّ الواجب الكفائي هو التكفين لا إعطاء الكفن (1) لكنّه أحوط .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولم يخرج عن ملكه بالجناية . وإذا لم يمكن بيعه والحال هذه ولم يقدم أحد على شرائه فلا موضوع ولا مال ليصرف في الكفن .

   فالصحيح أن إدراج حقّ الجناية في ضمن الحقوق المتعلّقة لمال الميِّت في غير محلِّه لأ نّه على أحد التقديرين لا مانع من صرف ثمنه في الكفن ، وعلى التقدير الآخر لا موضوع ليصرف أو لا يصرف .

    إذا لم يكن للميت مال بقدر الكفن

   (1) بمعنى أنّ الواجب على المسلمين إنّما هو إلباس الميِّت الكفن لا بذله ، والمسألة متسالم عليها بينهم ، وإنّما الكلام في مدرك ذلك وأ نّه لماذا لا يجب على المسلمين بذل الكفن ؟

   فقد يستدل عليه بالاجماع على عدم وجوبه .

   وفيه : ما قدّمناه مراراً من أ نّه إذا علم أو ظنّ أو احتمل استناده إلى شيء من الأدلّة المذكورة في المسألة لا يمكن الاعتماد عليه ، لعدم كونه إجماعاً تعبّدياً بوجه .

   واُخرى يستدل بما ورد من أنّ الكفن يخرج من أصل التركة (1) الدال على أن كفن كل ميت في مال نفسه ، فانّه بالاضافة إلى ما دلّ على وجوب التكفين على المسلمين مقيّد ، ومقتضى قانون الاطلاق والتقييد تقييد الأوامر الواردة في التكفين بما إذا كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 53 /  أبواب التكفين ب 31 ، 19 : 328 ـ 331 /  كتاب الوصايا ب 27 ، 28 وغيرها .

ــ[145]ــ

الكفن من مال الميِّت نفسه ، فالواجب هو التكفين من مال الميِّت لا أنّ التكفين واجب عليهم مطلقاً ولو من مال أنفسهم .

   وفيه : أن ما دلّ على أنّ الكفن يخرج من أصل التركة إنّما يدل على أن كفن كل ميت إنّما هو في مال نفسه فيما إذا كان له مال ، ولا مانع من تقييد الأوامر الواردة في التكفين بذلك ـ إذا كان للميت مال ـ ولا دلالة في شيء منهما على أ نّه إذا لم يكن للميت مال يكفن به ولكن اُخذ من الزكاة أو تبرّع به متبرّع أو اشـتري من مال الوقف لذلك ، لم يجب على المسلمين التكفين به كما هو مقتضى التقييد حتّى يدل على أ نّه إذا لم يكن له مال لم يجب على المسلمين التكفين حتّى يحتمل وجوب بذله .

   وثالثة يستدل على ذلك برواية سعد بن طريف «من كفّن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة» (1) لدلالتها على أنّ التكفين وبذل الكفن أمر مستحب لا أ نّه واجب ، لأن قوله (عليه السلام) : «كمن ضمن كسوته» يناسـب الاسـتحباب دون الوجوب ، فتدل الرواية على عدم وجوب بذله .

   وفيه: أنّ الرواية ضعيفة السند بسعد، لأنّ الشيخ وإن ذكر أنّ له روايات صحيحة(2) إلاّ أنّ النجاشي قال : إن رواياته تعرف وتنكر(3) وضعّفه ابن الغضائري صريحاً (4) فما ذكره الشـيخ معارض بما ذكره النجاشي وابن الغضـائري فلا يمكن الاعتماد على رواياته (5) .

   وأمّا ما في كلام المحقق الهمداني (قدس سره) وغيره من توصيف الرواية بالصحيحة(6) . فالظاهر أ نّهم تبعوا في ذلك صاحب الحدائق (قدس سره) حيث قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 48 /  أبواب التكفين ب 26 ح 1 .

(2) رجال الطوسي : 115 /  1147 .

(3) رجال النجاشي : 178 /  468 . وفيه : أ نّه يعرف وينكر .

(4) نقله عنه في تنقيح المقال 2 : 15 /  4698 السطر 12 .

(5) استظهر سيِّدنا الاُستاذ في المعجم 9 : 72 /  5053 وثاقته .

(6) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 413  السطر 1 .

ــ[146]ــ

فروى الكليني في الصحيح عن سعد بن طريف عن الباقر (عليه السلام) ثمّ ساق الحديث (1) إلاّ أن هذا التعبير لا يدل على صحّة الرواية ولا على توثيق سعد ، لأ نّه كما يظهر بالمراجعة إلى كتاب الحدائق قد يعبّر عن الرواية بالصحيحة ويقول : صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثلاً ، ومعنى هذا أن رواتها إلى الإمام الصادق (عليه السلام) إماميون ثقاة ، أو عدول ، وقد يعبّر عن الرواية بقوله مثلاً روى الكليني أو الشيخ في الصحيح عن فلان ويذكر اسم راو من الرواة ، ومعنى هذا تصحيح السند من الشيخ أو الكليني إلى هذا الراوي وحسب ، وأمّا من هذا الراوي إلى الامام فلا تعرّض لحاله منه . والأمر في المقام كذلك .

   وكيف كان فالرواية ضعيفة السند لا يمكن الاستناد إليها ، هذا أوّلاً .

   ثمّ لو أغمضنا عن ذلك فالرواية قاصرة الدلالة على المدّعى ، لأنّ الوارد في الخبر هو التكفين «من كفن مؤمناً» ومعناه من ألبسه الكفن ، ولا دلالة فيه على استحباب بذل الكفن لأن «كفن» لا يستعمل بمعنى بذل الكفن .

   وثالثاً : لو أغمضنا عن ذلك وبنينا على أنّ الوارد في الرواية هو بذل الكفن إلاّ أ نّه لا منافاة بين استحباب بذل الكفن على كل واحد واحد من المكلفين وبين وجوبه الكفائي على جميع المسلمين ، وقد ورد نظيره في الغسل الواجب كفاية حيث قال (عليه السلام) : «من غسل مؤمناً غسله الله من ذنوبه كيوم ولدته اُمّه»(2) فلا تنافي بين الوجوب الكفائي والاستحباب .

   ورابعة يستدل عليه بموثقة الفضل المتقدِّمة (3) حيث دلّت على جواز شراء الكفن من الزكاة ، إذ لو كان بذل الكفن واجباً على جميع المسلمين لم يجب أخذه من الزكاة ولم تصل النوبة إليها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 4 : 2 .

(2) الوسائل 2 : 494 ـ 497 /  أبواب غسل الميِّت ب 7 و 8 .

(3) في ص 139 .

ــ[147]ــ

   وفيه : أنّ الرواية وإن كانت معتبرة من حيث السند وموثقة ، لكنّها قاصرة الدلالة على المدّعى ، لأ نّها دلّت على أخذ الكفن من مال الزكاة فيما إذا وجدت زكاة ، وأمّا إذا لم توجد الزكاة فلا دلالة لها على أنّ الميِّت يدفن عارياً ولا يجب على المسلمين بذل الكفن .

   إلى هنا تحصل أ نّه لا يتم شيء من الوجوه والأدلّة المذكورة في المسألة ، وحينئذ ما المانع من الحكم بوجوب بذل الكفن على المسلمين لأمرهم بالتكفين ، فيكون بذل الكفن مقدمة للواجب وهي واجبة عقلاً أو شرعاً .

   فالصحيح أن يستدل على عدم وجوب بذل الكفن بحديث لا ضرر (1) وذلك لأنّ التكفين الواجب كثيراً ما لا يكون ضررياً على المسلمين ، إمّا لأنّ الميِّت له مال يفي بكفنه ، أو لاشترائه من الزكاة أو من الوقف إذا وجد وقف لشراء الأكفان ، أو من المتبرّع لأ نّهم لا يدفنون الميِّت عارياً على الأكثر .

   وقد يكون ضررياً ـ وهو نادر ـ كما إذا لم يكن للميت مال ولا وجدت زكاة ولا وقف ولا متبرّع ، ولا مانع من الحكم بعدم وجوب بذل الكفن وعدم وجوب التكفين بما دلّ على نفي الضرر في الشريعة المقدّسة .

   وبهذا يندفع ما ربما يتوهّم من أن حديث لا ضرر لا يجري في المقام ، لأنّ الأحكام الشرعية المبنية على الضرر كالخمس والزكاة أو المستلزمة له كالحج ممّا لا ترتفع بالحديث ، والأمر في المقام كذلك ، والوجه في الاندفاع ما عرفت من أنّ التكفين لم يجعل ضررياً في الشريعة المقدسة ولا أ نّه مستلزم للضرر كثيراً ، لأ نّه كثيراً ما لا يكون ضررياً ، فالنسبة بين الضرر والتكفين نسبة العموم من وجه ومورد اجتماعهما نادر كما تقدّم .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 7 : 146 /  651 ، 164 /  727 وغيرهما .

ــ[148]ــ

وإذا   كان هناك من سهم سبيل الله من الزكاة فالأحوط صرفه فيه ، والأولى بل الأحوط أن يعطى لورثته ((1)) (1) حتّى يكفنوه من مالهم إذا كان تكفين الغير لميتهم صعباً عليهم .
ــــــــــــــــــــــ

    ما هو الأحوط في المقام

   (1) وهو في محله ، لما تقدّم من الأمر به في موثقة الفضل المتقدمة حيث قال : «اعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الّذين يجهزونه»(2) ، ولو كانت الورثة متمكّنين ولا يستحقّون الزكاة ، وإنّما لا يبذلون الكفن لبخلهم ، وذلك احترام لهم حتّى لا يلزم هتكهم أو عيبهم من قيام الغير بتكفين ميتهم . نعم ، هذا غير واجب ، لأنّ السؤال والجواب في الموثقة ناظران إلى الجواز لا إلى الوجوب .

ــــــــــــــ

(1) إذا  كانوا  فقراء .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net