ــ[144]ــ
[ 921 ] مسألة 22 : إذا لم يكن للميت تركة بمقدار الكفن فالظاهر عدم وجوبه على المسلمين ، لأنّ الواجب الكفائي هو التكفين لا إعطاء الكفن (1) لكنّه أحوط .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يخرج عن ملكه بالجناية . وإذا لم يمكن بيعه والحال هذه ولم يقدم أحد على شرائه فلا موضوع ولا مال ليصرف في الكفن .
فالصحيح أن إدراج حقّ الجناية في ضمن الحقوق المتعلّقة لمال الميِّت في غير محلِّه لأ نّه على أحد التقديرين لا مانع من صرف ثمنه في الكفن ، وعلى التقدير الآخر لا موضوع ليصرف أو لا يصرف .
إذا لم يكن للميت مال بقدر الكفن
(1) بمعنى أنّ الواجب على المسلمين إنّما هو إلباس الميِّت الكفن لا بذله ، والمسألة متسالم عليها بينهم ، وإنّما الكلام في مدرك ذلك وأ نّه لماذا لا يجب على المسلمين بذل الكفن ؟
فقد يستدل عليه بالاجماع على عدم وجوبه .
وفيه : ما قدّمناه مراراً من أ نّه إذا علم أو ظنّ أو احتمل استناده إلى شيء من الأدلّة المذكورة في المسألة لا يمكن الاعتماد عليه ، لعدم كونه إجماعاً تعبّدياً بوجه .
واُخرى يستدل بما ورد من أنّ الكفن يخرج من أصل التركة (1) الدال على أن كفن كل ميت في مال نفسه ، فانّه بالاضافة إلى ما دلّ على وجوب التكفين على المسلمين مقيّد ، ومقتضى قانون الاطلاق والتقييد تقييد الأوامر الواردة في التكفين بما إذا كان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 53 / أبواب التكفين ب 31 ، 19 : 328 ـ 331 / كتاب الوصايا ب 27 ، 28 وغيرها .
ــ[145]ــ
الكفن من مال الميِّت نفسه ، فالواجب هو التكفين من مال الميِّت لا أنّ التكفين واجب عليهم مطلقاً ولو من مال أنفسهم .
وفيه : أن ما دلّ على أنّ الكفن يخرج من أصل التركة إنّما يدل على أن كفن كل ميت إنّما هو في مال نفسه فيما إذا كان له مال ، ولا مانع من تقييد الأوامر الواردة في التكفين بذلك ـ إذا كان للميت مال ـ ولا دلالة في شيء منهما على أ نّه إذا لم يكن للميت مال يكفن به ولكن اُخذ من الزكاة أو تبرّع به متبرّع أو اشـتري من مال الوقف لذلك ، لم يجب على المسلمين التكفين به كما هو مقتضى التقييد حتّى يدل على أ نّه إذا لم يكن له مال لم يجب على المسلمين التكفين حتّى يحتمل وجوب بذله .
وثالثة يستدل على ذلك برواية سعد بن طريف «من كفّن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة» (1) لدلالتها على أنّ التكفين وبذل الكفن أمر مستحب لا أ نّه واجب ، لأن قوله (عليه السلام) : «كمن ضمن كسوته» يناسـب الاسـتحباب دون الوجوب ، فتدل الرواية على عدم وجوب بذله .
وفيه: أنّ الرواية ضعيفة السند بسعد، لأنّ الشيخ وإن ذكر أنّ له روايات صحيحة(2) إلاّ أنّ النجاشي قال : إن رواياته تعرف وتنكر(3) وضعّفه ابن الغضائري صريحاً (4) فما ذكره الشـيخ معارض بما ذكره النجاشي وابن الغضـائري فلا يمكن الاعتماد على رواياته (5) .
وأمّا ما في كلام المحقق الهمداني (قدس سره) وغيره من توصيف الرواية بالصحيحة(6) . فالظاهر أ نّهم تبعوا في ذلك صاحب الحدائق (قدس سره) حيث قال :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 48 / أبواب التكفين ب 26 ح 1 .
(2) رجال الطوسي : 115 / 1147 .
(3) رجال النجاشي : 178 / 468 . وفيه : أ نّه يعرف وينكر .
(4) نقله عنه في تنقيح المقال 2 : 15 / 4698 السطر 12 .
(5) استظهر سيِّدنا الاُستاذ في المعجم 9 : 72 / 5053 وثاقته .
(6) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 413 السطر 1 .
ــ[146]ــ
فروى الكليني في الصحيح عن سعد بن طريف عن الباقر (عليه السلام) ثمّ ساق الحديث (1) إلاّ أن هذا التعبير لا يدل على صحّة الرواية ولا على توثيق سعد ، لأ نّه كما يظهر بالمراجعة إلى كتاب الحدائق قد يعبّر عن الرواية بالصحيحة ويقول : صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثلاً ، ومعنى هذا أن رواتها إلى الإمام الصادق (عليه السلام) إماميون ثقاة ، أو عدول ، وقد يعبّر عن الرواية بقوله مثلاً روى الكليني أو الشيخ في الصحيح عن فلان ويذكر اسم راو من الرواة ، ومعنى هذا تصحيح السند من الشيخ أو الكليني إلى هذا الراوي وحسب ، وأمّا من هذا الراوي إلى الامام فلا تعرّض لحاله منه . والأمر في المقام كذلك .
وكيف كان فالرواية ضعيفة السند لا يمكن الاستناد إليها ، هذا أوّلاً .
ثمّ لو أغمضنا عن ذلك فالرواية قاصرة الدلالة على المدّعى ، لأنّ الوارد في الخبر هو التكفين «من كفن مؤمناً» ومعناه من ألبسه الكفن ، ولا دلالة فيه على استحباب بذل الكفن لأن «كفن» لا يستعمل بمعنى بذل الكفن .
وثالثاً : لو أغمضنا عن ذلك وبنينا على أنّ الوارد في الرواية هو بذل الكفن إلاّ أ نّه لا منافاة بين استحباب بذل الكفن على كل واحد واحد من المكلفين وبين وجوبه الكفائي على جميع المسلمين ، وقد ورد نظيره في الغسل الواجب كفاية حيث قال (عليه السلام) : «من غسل مؤمناً غسله الله من ذنوبه كيوم ولدته اُمّه»(2) فلا تنافي بين الوجوب الكفائي والاستحباب .
ورابعة يستدل عليه بموثقة الفضل المتقدِّمة (3) حيث دلّت على جواز شراء الكفن من الزكاة ، إذ لو كان بذل الكفن واجباً على جميع المسلمين لم يجب أخذه من الزكاة ولم تصل النوبة إليها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 4 : 2 .
(2) الوسائل 2 : 494 ـ 497 / أبواب غسل الميِّت ب 7 و 8 .
(3) في ص 139 .
ــ[147]ــ
وفيه : أنّ الرواية وإن كانت معتبرة من حيث السند وموثقة ، لكنّها قاصرة الدلالة على المدّعى ، لأ نّها دلّت على أخذ الكفن من مال الزكاة فيما إذا وجدت زكاة ، وأمّا إذا لم توجد الزكاة فلا دلالة لها على أنّ الميِّت يدفن عارياً ولا يجب على المسلمين بذل الكفن .
إلى هنا تحصل أ نّه لا يتم شيء من الوجوه والأدلّة المذكورة في المسألة ، وحينئذ ما المانع من الحكم بوجوب بذل الكفن على المسلمين لأمرهم بالتكفين ، فيكون بذل الكفن مقدمة للواجب وهي واجبة عقلاً أو شرعاً .
فالصحيح أن يستدل على عدم وجوب بذل الكفن بحديث لا ضرر (1) وذلك لأنّ التكفين الواجب كثيراً ما لا يكون ضررياً على المسلمين ، إمّا لأنّ الميِّت له مال يفي بكفنه ، أو لاشترائه من الزكاة أو من الوقف إذا وجد وقف لشراء الأكفان ، أو من المتبرّع لأ نّهم لا يدفنون الميِّت عارياً على الأكثر .
وقد يكون ضررياً ـ وهو نادر ـ كما إذا لم يكن للميت مال ولا وجدت زكاة ولا وقف ولا متبرّع ، ولا مانع من الحكم بعدم وجوب بذل الكفن وعدم وجوب التكفين بما دلّ على نفي الضرر في الشريعة المقدّسة .
وبهذا يندفع ما ربما يتوهّم من أن حديث لا ضرر لا يجري في المقام ، لأنّ الأحكام الشرعية المبنية على الضرر كالخمس والزكاة أو المستلزمة له كالحج ممّا لا ترتفع بالحديث ، والأمر في المقام كذلك ، والوجه في الاندفاع ما عرفت من أنّ التكفين لم يجعل ضررياً في الشريعة المقدسة ولا أ نّه مستلزم للضرر كثيراً ، لأ نّه كثيراً ما لا يكون ضررياً ، فالنسبة بين الضرر والتكفين نسبة العموم من وجه ومورد اجتماعهما نادر كما تقدّم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 7 : 146 / 651 ، 164 / 727 وغيرهما .
ــ[148]ــ
وإذا كان هناك من سهم سبيل الله من الزكاة فالأحوط صرفه فيه ، والأولى بل الأحوط أن يعطى لورثته ((1)) (1) حتّى يكفنوه من مالهم إذا كان تكفين الغير لميتهم صعباً عليهم . ــــــــــــــــــــــ
ما هو الأحوط في المقام
(1) وهو في محله ، لما تقدّم من الأمر به في موثقة الفضل المتقدمة حيث قال : «اعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الّذين يجهزونه»(2) ، ولو كانت الورثة متمكّنين ولا يستحقّون الزكاة ، وإنّما لا يبذلون الكفن لبخلهم ، وذلك احترام لهم حتّى لا يلزم هتكهم أو عيبهم من قيام الغير بتكفين ميتهم . نعم ، هذا غير واجب ، لأنّ السؤال والجواب في الموثقة ناظران إلى الجواز لا إلى الوجوب .
ــــــــــــــ
(1) إذا كانوا فقراء .
|