ــ[66]ــ
[ 893 ] مسألة 6 : لا يجوز أخذ الاُجرة على تغسيل الميِّت بل لو كان داعيه على التغسيل أخذ الاُجرة على وجه ينافي قصد القربة بطل الغسل أيضاً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للأخبار الدالّة على ذلك (1) .
عدم جواز أخذ الأُجرة على التغسيل
(1) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات :
الاُولى : لا تنافي بين كون العمل واجباً ـ أي غير مرخص في تركه ـ وبين أخذ الاُجرة عليه ، بلا فرق في ذلك بين الواجب الكفائي والعيني والتعييني والتخييري كما شرحناه في بحث أخذ الاُجرة على الواجبات (2) .
الثانية : عبادية العمل الأعم من المستحب والواجب لا تنافي أخذ الاُجرة عليه بأن يكون أخذ الاُجرة داعياً إلى إتيان العمل بقصد القربة ، وذلك لأن انتهاء الداعي القربي إلى شيء من الدواعي الأخر ـ دنيوية كانت أو اُخروية ـ ضرورى لا مناص عنه .
لأنّ اتيان العبادة بداعي أنّ الله أهل للعبادة ـ مع قطع النظر عن الطمع في الجنّة أو الخوف من النار أو التخلّص من الفقر كما في صلاة اللّيل ـ أو غير ذلك من الدواعي والأغراض الاُخروية أو الدنيوية ، لا نتصوّر صدوره إلاّ من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ولا نعقل ذلك من الأشخاص العاديين بوجه . فترى أ نّه يصلّي صلاة اللّيل لئلاّ يبتلي بالفقر في حياته ، أو يأتي بالفرائض لئلاّ يعذّب بالنار أو لكي يدخل الجنّة أو لغير ذلك من الآثار المترتبة على العبادات ، فكون قصد القربة بداع آخر هو في طول الداعي القربي غير مانع عن صحّة العبادة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 104 / أبواب صلاة الجنازة ب 18 .
(2) مصباح الفقاهة 2 : 193 .
ــ[67]ــ
نعم ، لو كان داعيه هو القربة وكان الداعي على الغسل بقصد القربة أخذ الاُجرة صحّ الغسل ، لكن مع ذلك أخذ الاُجرة حرام إلاّ إذا كان في قبال المقدمات غير الواجبة فانّه لا بأس به حينئذ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل الأمر الاجاري مؤكّد للعبادية ، وذلك لأنّ العمل لا يصدر بداعي أخذ الاُجرة عليه لعدم ترتب العمل عليه ، إذ يمكنه أن يأخذ الاُجرة ولا يأتي بالعمل في الخارج أصلاً ، ولو لم يكن له مناص [ إلاّ ] من الاتيان بالعمل ـ كما في تغسيل الميِّت لأ نّه بمرأى من المستأجر ـ فيمكنه الاتيان بالعمل على وجه الفساد بأن يبقي مقداراً قليلاً من بدنه بدون غسل أو بغير ذلك من أنحاء الافساد والاخلال .
كما أنّ العمل لا يصدر بداعي استحقاق الاُجرة ، لعدم الترتب بينهما ، فان استحقاق الاُجرة في عقد الاجارة يترتب على العقد ، إذ بتحقق العقد يستحق الأجير الاُجرة سواء عمل في الخارج أم لم يعمل ، غاية الأمر إذا لم يعمل وانقضت مدّة الاجارة تولد للمستأجر حق فسخ العقد فيطالبه بعين الاُجرة إن كانت موجودة أو ببدلها مثلاً أو قيمة إذا كانت تالفة ، فالاستحقاق يترتب على العقد لا على العمل . نعم ، استحقاق المطالبة بالاُجرة وعدم جواز تأخيره للمالك المستأجر يترتب على العمل ، لأنّ الأجير قبل العمل لا يستحق المطالبة بالاُجرة من المستأجر ويجوز له أن لا يدفعه إليه ، فلو أتى بالعمل بغاية توليد الحق الشرعي له في مطالبة المستأجر بالاُجرة وأن لا يجوز للمستأجر تأخيرها فهو صحيح ، إلاّ أ نّه إتيان للعمل بقصد القربة والداعي القربي وليس من الاتيان بداعي أمر آخر .
فالمتحصل : أنّ الاتيان بالعمل بداعي الأخذ الخارجي أو بداعي الأخذ الملكي ـ أي صيرورة الأجر ملكاً له ـ غير صحيح ، لأنّ الأخذ الخارجي والملكية لايترتبان على العمل ، والأخذ بمعنى جواز المطالبة وحرمة الابطاء في دفعها غاية مترتبة على العمل إلاّ أ نّه داع قربي ، وليس من الاتيان بالعمل بداعي أمر آخر .
إذن ينحصر الداعي إلى الاتيان بالعمل على الوجه الصحيح بالأمر والوجوب
ــ[68]ــ
[ 894 ] مسألة 7 : إذا كان السدر أو الكافور قليلاً جدّاً ـ بأن لم يكن بقدر الكفاية ـ فالأحوط خلط المقدار الميسور وعدم سقوطه بالمعسور (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الناشئين من عقد الايجار ، حيث يجب عليه شرعاً الاتيان بالعمل وفاءً لعقد الاجارة فالأمر الاجاري مؤكّد للاتيان بالعمل بقصد القربة لا أ نّه مناف له .
ودعوى أنّ الاُجرة لا يمكن أن تكون داعياً إلى الداعي ، لاستناد العمل معه إلى الداعي الآخر ـ كأخذ الاُجرة مثلاً ـ فلا بدّ من إتيان العمل بداعي اباحة الاُجرة له نظير الاتيان بطواف النِّساء بداعي حلية النِّساء له أو حلية الرّجال عليها ،
مندفعة بأن حلية النِّساء أو الرّجال وإن كانت مترتبة على طواف النِّساء ، وما اُفيد صحيح في الطواف إلاّ أ نّه ليس بتام في الاجارة ، لأن حلية التصرف في الاُجرة مترتبة على العقد لا على العمل ، فانّ العقد بتماميته يوجب حلية التصرف في مال الاجارة سواء أتى الأجير بالعمل أم لم يأت به ، وغاية الأمر أ نّه إذا لم يأت به وانقضت المدّة كان للمستأجر فسخ الاجارة والمطالبة باسترجاع الاُجرة بعينها أو ببدلها ، والغرض أنّ الحلية ليست غاية للعمل بوجه .
الجهة الثالثة : لا يجوز أخذ الاُجرة على التغسيل ، وهذا لا لأ نّه واجب والوجوب ينافي أخذ الاُجرة عليه ، ولا لأ نّه عبادي والعبادة تنافي أخذ الاُجرة عليها ، بل لما علمناه خارجاً من أنّ الغسل واجب مجاني وهو حق للميت على الأحياء لا بدّ من أن يصدر مجاناً ، نظير الاُجرة على الاتيان بفريضة الوقت مثلاً ، فأخذ الاُجرة على التغسيل حرام ، اللّهمّ إلاّ أن يأخذها على المقدمات أو الخصوصيات الخارجة عن التغسيل المأمور به كالتغسيل بخصوص هذا الماء أو في مكان خاص ونحوهما .
إذا كان الخليط قليلاً جدّاً
(1) هذا الاحتياط يبتني على تمامية قاعدة الميسور في نفسها وعلى صحّة انطباقها على المقام ، وقد تقدم أن قاعدة الميسور غير صحيحة صغرىً وكبرى .
ــ[69]ــ
[ 895 ] مسألة 8 : إذا تنجس بدن الميِّت بعد الغسل أو في أثنائه بخروج نجاسة أو نجاسة خارجة لا يجب معه إعادة الغسل .
بل وكذا لو خرج منه بول أو مني ، وإن كان الأحوط في صورة كونهما في الأثناء إعادته (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمّا بحسب الكبرى فلعدم تمامية أدلّتها .
وأمّا بحسب الصغرى ، فلأنّ الواجب هو الغسل بماء السدر أو الكافور ، لا الماء الّذي فيه شيء قليل منهما جدّاً بحيث لا يكون بمقدار الكفاية ، إذ لا يصدق عليه أ نّه ميسور ذلك المعسور بل هو شيء آخر مباين مع المأمور به .
إذا تنجّس بدن الميِّت
(1) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات :
الاُولى : أن بدن الميِّت أو كفنه إذا تنجس بنجاسة خارجة من الميِّت أو بنجاسة خارجية هل يجب غسلها وإزالتها عن الميِّت أو لا يجب ؟ .
الصحيح وجوب تطهير بدن الميِّت وكفنه من النجاسة الطارئة من الخارج أو الخارجة من الميِّت ثمّ دفنه طاهر البدن والكفن ، وذلك لموثقة روح بن عبدالرحيم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إن بدا من الميِّت شيء بعد غسله فاغسل الّذي بدا منه ولا تعد الغسل» (1) فانّ الرواية وإن كانت واردة في خصوص النجاسة الخارجة من الميِّت ، إلاّ أ نّه من جهة الغالب ، وإلاّ فلا فرق بينها وبين النجاسة الخارجية قطعاً ، فمقتضى الموثقة وجوب تطهير البدن من النجاسات .
والظاهر أنّ الرواية موثقة ، لأن غالب بن عثمان الواقع في سندها وإن كان اسماً لجماعة من الرواة بعض موثق وبعض ضعيف ، إلاّ أنّ الظاهر أ نّه غالب الموثق ، لأنّ الشيخ ذكر أن غير الموثق ممّن يروي عن أبي عبدالله (عليه السلام) وأنّ الموثق لا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 542 / أبواب غسل الميِّت ب 32 ح 1 .
ــ[70]ــ
يروي عن الأئمة بلا واسطة (1) وهو في السند كذلك .
وقد عبّر عنها بالموثقة في الحدائق(2) والجواهر(3) وغيرهما . والوجه في كونها موثقة أن غالب بن عثمان الواقع في سندها الظاهر أ نّه هو غالب المنقري الثقة وتوضيحه : أنّ الشيخ (قدس سره) ذكر شخصين مسمين بغالب بن عثمان أحدهما الشاعر والآخر المنقري وعدّهما من أصحاب الصادق (عليه السلام) (4) .
وذكر النجاشي أن غالب بن عثمان الشاعر زيدي والمنقري ثقة (5) .
ثمّ تعرّض الشيخ (قدس سره) لثالث مسمى بهذا الاسم في أصحاب الكاظم (عليه السلام) وقال : إنّه واقفي (6) . وظاهره انّه شخص ثالث مسمى بهذا الاسم غير الشاعر والمنقري ، لما عرفت من أن أحدهما زيدي بشهادة النجاشي والآخر عدل إمامي فيكون الواقفي شخصاً ثالثاً .
ويحتمل أن يكون المراد به هو أحد الأولين : الشاعر أو المنقري وغاية الأمر أنّ النجاشي يعتقد بأن أحدهما زيدي والشيخ يعتقد وقفه .
ثمّ تعرّض الشيخ لغالب رابع ممّن لم يرو عنهم (عليهم السلام) وذكر له طريقين : أحدهما حسن بن علي بن فضال والآخر غيره ـ كما في الفهرست (7) ـ وهذا غالب رابع لو كان سابقه ثالثاً وإلاّ فهو ثالث من المسمين بغالب . والشيخ لم يوثق واحداً منهم وإنّما النجاشي وثق المنقري كما مرّ .
وذكر في ترجمة روح بن عبدالرحيم : روى عنه غالب بن عثمان(8) . والظاهر أنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال الطوسي : 267 / 3839 .
(2) الحدائق 3 : 467 / مكروهات غسل الميِّت .
(3) الجواهر 4 : 248 .
(4) رجال الطوسي : 267 / 3839 ، 3841 .
(5) رجال النجاشي : 305 / 835 ، 836 .
(6) رجال الطوسي : 341 / 5091 .
(7) الفهرست : 123 / 562 .
(8) رجال النجاشي : 168 / 444 .
ــ[71]ــ
المراد به ليس إلاّ أحد الأولين ـ الشاعر أو المنقري ـ وليس مردداً بين الأربعة أو الثلاثة ، وذلك لأنّ النجاشي لم يتعرّض لمن سمي بهذا الاسم إلاّ للشاعر والمنقري فكيف يعرف روح بن عبدالرحيم ويميّزه بمن لم يتعرّض له أصلاً .
ثمّ الظاهر أنّ المراد به هو المنقري الثقة ، لأنّ النجاشي ذكر أن له كتاباً يرويه عنه جماعة ، فهو المشهور بين الرواة دون الشاعر حيث لم ينقل من يروي عنه أصلاً وإنّما ذكر النجاشي أن له أحاديث مجموعة .
فحيث إنّ المشهور هو المنقري وهو الّذي يروي عنه جماعة يكون هو الراوي عن روح بن عبدالرحيم دون غيره ، إذ لم يتعرّضوا أن له رواية يرويها عنه الرواة ، ومن هنا قلنا إنّ الظاهر كون الرواية موثقة .
ويؤيّدها رواية الكاهلي والحسين بن المختار (1) والوجه في عدّها مؤيّدة أن في سندها محمّد بن سنان ، هذا كلّه في البدن .
وأمّا وجوب غسل الكفن من النجاسات فلرواية عبدالله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا خرج من منخر الميِّت الدم أو الشيء بعد الغسل وأصاب العمامة أو الكفن قرض (منه) بالمقراض» (2) . ولما عن أبي عبدالله (عليه السلام) من أ نّه «إذا خرج من الميِّت شيء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض منه»(3) .
وهاتان الروايتان وإن كانتا ضعيفتين على طريق الكليني لوجود سهل بن زياد في سند الاُولى ولارسال الثانية ، إلاّ أ نّهما بحسب طريق الشيخ معتبرتان ، لأنّ الشيخ روى اُولاهما بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن عبدالله الكاهلي وهو سند صحيح ، وثانيتهما رواها عن علي بن الحسين عن محمّد ابن أحمد بن علي عن أبي طالب عبدالله بن الصلت عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمّد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 542 / أبواب غسل الميِّت ب 32 ح 2 .
(2) الوسائل 2 : 542 / أبواب غسل الميِّت ب 32 ح 4 .
(3) الوسائل 2 : 542 / أبواب غسل الميِّت ب 32 ح 3 .
ــ[72]ــ
عن غير واحد من أصحابنا .
ومحمّد بن أحمد بن علي هو شيخ والد الصدوق وهو الّذي أثنى عليه الصدوق(1) بأ نّه من الزّهاد والعبّاد وغير ذلك ممّا هو فوق التوثيق ، فلا إشكال في الروايتين من حيث السند ، فلا حاجة إلى دعوى انجبارهما بعمل الأصحاب ـ كما عن بعضهم ـ كما أن دلالتهما على المدعى واضحة وإنّما اُمر بالقرض فيهما ، لأ نّه أسهل من التطهير وإلاّ فلا خصوصية له غير التطهير بوجه .
|