ــ[4]ــ
ويجب على هذا الترتيب ، ولو خولف اُعيد على وجه يحصل الترتيب (1) وكيفيّة كل من الأغسال المذكورة كما ذكر في الجنابة (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعتبار الترتيب بين الأغسال
(1) الجهة الثالثة : في اعتبار الترتيب بين الأغسال وعدمه .
المعروف المشهور بينهم أنّ الميِّت لا بدّ أن يغسل أوّلاً بماء السدر واُخرى بماء الكافور وثالثة بماء القراح .
وقد نسب إلى ابن حمزة عدم اعتبار الترتيب بينها (1) .
وفيه : أن بعض الأخبار الواردة في المقام وإن كانت مطلقة (2) حيث دلّت على أنّ الميِّت يغسل ثلاثة أغسال ، مرّة بالسدر ومرّة بالماء يطرح فيه الكافور ومرّة بالماء القراح ، ولا دلالة لها على الترتيب ، إلاّ أن مقتضى جملة اُخرى من الأخبار المعتبرة الواردة في المقام هو اعتبار الترتيب بين الأغسال ، ففي صحيحة ابن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن غسل الميِّت ، فقال : اغسله بماء وسدر ثمّ اغسله على أثر ذلك غسلة اُخرى بماء وكافـور ـ وذريرة إن كانت ـ واغسله الثالثة بماء قراح» (3) وفي حسنة الحلبي « ... ثمّ تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرّات بالسدر ... فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرّة اُخرى بماء وكافور ... ثمّ اغسله بماء بحت غسلة اُخرى» (4) وغيرهما من الروايات الظاهرة بل المصرحة باعتبار الترتيب بين الأغسال ، ولا موجب لرفع اليد عنها بوجه .
كيفيّة تغسيل الميِّت
(2) الجهة الرابعة : في كيفيّة تغسيل الميِّت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقل الحكاية عنه في الجواهر 4 : 123 وراجع الوسيلة : 64 .
(2) الوسائل 2 : 481 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 4 .
(3) الوسائل 2 : 479 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 1 .
(4) الوسائل 2 : 479 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 2 .
ــ[5]ــ
فيجب أوّلاً غسل الرأس والرقبة وبعده الطرف الأيمن وبعده الأيسر ، والعورة تنصف أو تغسل مع كل من الطرفين ، وكذا السرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعروف بل المتسالم عليه بين الأصحاب أن ترتيبه هو الترتيب المتقدم في غسل الجنابة ، فيغسل رأس الميِّت أوّلاً ، ثمّ جانبه الأيمن ثمّ الأيسر .
وتدل عليه موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) « ... ثمّ تبدأ فتغسل الرأس واللحية بسدر حتّى تنقيه ثمّ تبدأ بشقه الأيمن ثمّ بشقه الأيسر ... » (1) .
ومصححة الحلبي : « ... ثمّ تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرّات بالسدر ثمّ سائر جسده وابدأ بشقه الأيمن»(2) إلى غير ذلك من الروايات (3) .
نعم ، ورد فيما رواه يونس عنهم (عليهم السلام) ما ظاهره أنّ الميِّت ينصّف في التغسيل من رأسه نصفين ، فيغسل أحد النصفين من رأسه إلى قدمه تارة ، والنصف الآخر إلى القدم تارة اُخرى حيث ورد فيها :
«إذا أردت غسل الميِّت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة ، فان كان عليه قميص فاخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه عن رجليه إلى فوق الركبة وإن لم يكن عليه قميص فألق على عورته خرقة واعمد إلى السدر فصيّره في طشت وصب عليه الماء ، واضربه بيدك حتّى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شيء وصب الآخر في الاجانة الّتي فيها الماء ، ثمّ اغسل يديه ثلاث مرّات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع ، ثمّ اغسل فرجه ونقّه ، ثمّ اغسل رأسه بالرغوة ، وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ، ثمّ اضجعه على جانبه الأيسر وصبّ الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرّات ، وادلك بدنه دلكاً رفيقاً وكذلك ظهره وبطنه ، ثمّ اضجعه على جانبه الأيمن وافعل به مثل ذلك ...» الخ (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 484 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 10 .
(2) الوسائل 2 : 479 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 2 .
(3) الوسائل 2 : 481 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 5 ، 486 / ب 3 ح 1 ، 2 ، 8 .
(4) الوسائل 2 : 480 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 3 .
ــ[6]ــ
ذلك لأن قوله «ثمّ اغسل رأسه بالرغوة» ليس من الغسل المعتبر في الاغتسال حتّى يقال إنّ الرواية دلّت على الترتيب حيث أمرت بغسل الرأس أوّلاً ثمّ الجانبين فانّ الرغوة ممّا لا يمكن الغسل به ، إذ يعتبر في الغسل أن يكون ما به الغسل ماءً أو مائعاً آخر فلا يتحقق الغسل بغير المائعات . والرغوة ليست بماء وإنّما يتحقق بها المسح لا الغسل ، فغسل الرأس بالرغوة مقدمة للغسل الواجب في التغسيل وليس معدوداً من أجزائه ، وبعد ذلك إذا لاحظت الرواية ترى أنّها دلّت على أنّ الميِّت ينصّف في التغسيل نصفين من رأسه إلى قدمه ، ويغسل مرّتين : مرّة هذا الجانب واُخرى ذاك الجانب .
وكأنّ المحقق الهمداني (قدس سره) سلّم دلالة الرواية على ذلك إلاّ أ نّه لم يلتزم بمضمونها من جهة أنّها مخالفة للظواهر وجملة من النصوص وفتاوى الأصحاب (1) هذا .
وقد يناقش في الرواية سنداً ويعبّر عنها بالمرسلة ، نظراً إلى أن إبراهيم بن هاشم يرويه عن رجاله عن يونس ، إلاّ أنّ الظاهر عدم المناقشة في سندها ، لأنّ التعبير بالرجال كالتعبير بعدّة من أصحابنا ظاهر في كون الرواية مروية عن جماعة وجملة منهم معتد بها ، لعدم صحّة مثل هذا التعبير إذا كانت مروية عن واحد أو اثنين أو ثلاث .
ومن البعيد جدّاً أن لا يكون بين الجمع والرجال من لا يوثق بروايته ، إذ لو كان الأمر كذلك لأسند الرواية إلى شخص معيّن أو رمز إليه على نحو يدل على عدم ثبوت الرواية عند الأصحاب كقوله عن بعض أصحابنا ونحوه ، فالرواية من حيث السند لا خدشة فيها .
وإنّما الكلام في دلالتها ، وذلك لأنّ الغسل بالرغوة كالغسـل بالتراب والصابون فكما أنّ الغسل به عبارة عن مسح اليد أو غيرها بالصابون أو التراب أوّلاً ثمّ صبّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 379 السطر 34 .
ــ[7]ــ
الماء عليه وإلاّ كان مسحاً لا غسلاً، فكذلك الحال في الغسل بالرغوة، فان معناه مسح الرأس بها أوّلاً ثمّ صبّ الماء عليه وغسله به ، فالغسل بالرغوة غسل بالماء .
ويدل على ذلك ما ذكره (عليه السلام) بعد ذلك بقوله «وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه» إذ لو لم يكن هناك ماء فما معنى أمره بالمبالغة في التحفظ عن دخول الماء منخريه أو مسامعه ، وعليه فالغسل بالرغوة يكفي في غسل الرأس بالماء .
ثمّ إنّ الماء الّذي يصبّه على الرأس بعد المسح بالرغوة هو ماء السدر ، إذ ليس في مفروض الرواية ماء غيره ، وذلك لقوله (عليه السلام) «واعمد إلى السدر فصيره في طشت وصب عليه الماء واضربه بيدك حتّى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شيء وصب الآخر في الاجانة الّتي فيها الماء» وهذا هو ماء السدر و به يغسل رأسه . وقوله بعد ذلك : «ثمّ اضجعه على جانبه الأيسر وصب الماء من نصف رأسه ... » فهو شروع في غسل الجانب الأيمن والأيسر .
وقوله : «من نصف رأسه» أيضاً لا ينافي ما ذكرناه ، لأ نّه إنّما ينافيه إذا اُريد بالنصف النصف الطولي من الرأس وهو قد غسل ولا حاجة إلى تغسيله ثانياً ، إلاّ أن من المحتمل أن يراد به النصف العرضي من اُذنه إلى اُذنه مثلاً وذلك من باب المقدمة العلميّة في غسل الرقبة ، لأنّ الرأس هو ما فوق الرقبة فلو اُريد به تغسيل الرقبة على نحو يحصل العلم به لا مناص من أن يدخل شيئاً من الرأس في غسل كل من النصفين من باب المقدمة العلميّة ، فيدخل من كل جانب مقداراً من الرأس إلى الاُذن أو فوقه ليحصل الجزم بتحقق الغسل في الجانبين .
فلو أبيت عن ذلك وقلت إنّه خلاف الظاهر من الرواية فنبقي تنصيف الرأس على ظاهره من النصف الطولي فيحمل ذلك على الاستحباب ، فيستحب بعد غسل الرأس ـ عند غسل كل جانب ـ غسل نصف الرأس معه ثانياً ، وهذا ممّا لا محذور فيه .
فتحصل : أنّ الرواية دلّت على غسل الرأس بماء السدر أوّلاً ثمّ الجانب الأيمن والأيسر .
ــ[8]ــ
ويدل على ذلك : ـ مضافاً إلى ما تقدم ـ تصريحه (عليه السلام) في الغسل بالكافور بغسل الرأس أوّلاً حيث قال : «ثمّ اغسل رأسه ثمّ اضجعه على جنبه الأيسر واغسل جنبه الأيمن وظهره وبطنه ، ثمّ اضجعه على جنبه الأيمن واغسل جنبه الأيسر ... » .
وأصرح من الجميع قوله (عليه السلام) في التغسيل بالماء القراح «واغسله بماء قراح كما غسلته في المرّتين الأوّلتين» أعني الغسل بالسدر والغسل بالكافور ، والوجه في صراحته : أ نّه لو لم تكن المرّتان المتقدمتان بكيفيّة واحدة بأن تكون الغسلة الاُولى كالثانية لم يكن معنى لقوله «واغسله بماء قراح كما غسلته في المرّتين الأولتين» فلا بدّ من اتحادهما في الكيفيّة كي يشبه الثالث بهما .
فالانصاف أنّ الرواية لا إشعار فيها فضلاً عن الدلالة على غسل نصف الرأس مع الجانب الأيمن ونصفه الآخر مع الأيسر .
تتمة : قد ذكرنا أنّ الواجب في غسل الميِّت هو الأغسال الثلاثة ـ أعني الغسل بماء السدر وماء الكافور والماء القراح ـ ولا يعتبر فيه شيء زائد على ذلك .
وقد ورد في بعض الأخبار الأمر بغسل النصف الأيمن من الرأس واللحية أوّلاً ثمّ غسل النصف الأيسر من الرأس واللحية ثانياً في غسل الرأس ، كما في رواية الكاهلي حيث قال : «ثمّ تبدأ فتغسل الرأس واللحية بسدر حتّى تنقيه ثمّ تبدأ بشقه الأيمن ثمّ بشقه الأيسر» (1) .
وفي بعضها الآخر الأمر بالنضح على صدر الميِّت وركبتيه حيث قال في موثقة عمّار : «ثمّ تنضح على صدره وركبتيه من الماء ... » (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 481 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 5 . ولا يخفى عدم ورود هذه الجملة في رواية الكاهلي بل إنّما وردت في رواية عمّار المرويّة في الوسائل 2 : 484 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 10 والوارد في رواية الكاهلي هو هذه الجملة «ثمّ تحوّل إلى رأسه وابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثمّ ثن بشقّه الأيسر» .
(2) الوسائل 2 : 484 / أبواب غسل الميِّت ب 2 ح 10 .
|