ــ[425]ــ
الجهة الثالثة : فيما إذا نوى الغسل حال خروجه من الماء فعلى ما قدّمناه ـ من أن ظواهر الأدلّة طلب الإحداث والإيجاد فالواجب هو الارتماس إحداثاً وإيجاداً وأما الارتماس بقاء فهو غير مأمور به فلا يكفي في الاغتسال ـ لا إشكال في عدم صحّة غسله ، فلو كان إيجاده عن تعمد واختيار بطل صومه ، بل ارتكب المعصية أيضاً فيما إذا كان الصوم واجباً معيّناً أو كان في نهار شهر رمضان بخلاف ما إذا لم يكن عن اختيار ، فان صومه لا يبطل بذلك ولا يرتكب المعصية مطلقا .
وأمّا إذا قلنا بكفاية الإبقاء كالإحداث ولو بدعوى أن قوله : إذا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة (1) مطلق يشمل كلاًّ منهما فنوى الغسل حال الخروج ففيه تفصيل وحاصله : أن إدخال بدنه في الماء إذا لم يكن عن عمد واختيار كما إذا زلق فوقع في الماء في شهر رمضان أو نسي حتى أحاط الماء على تمام بدنه فلا كلام في صحّة صومه وغسله أو صحّة إحرامه وغسله من دون أن يرتكب الحرام ، وذلك لعدم حرمة خروجه من الماء حينئذ ، فالارتماس بحسب البقاء غير محرّم في حقه لعدم استناده إلى الاختيار ، وهو نظير الخروج من الدار المغصوبة إذا توسطها من غير اختياره . وأما إذا كان ارتماسه بسوء اختياره فلا إشكال في بطلان صومه المعيّن وكذلك في صوم شهر رمضان .
وهل يصحّ غسله إذا نوى الغسل حال الخروج نظراً إلى أنّ المفطر الحرام إنّما هو حدوث الارتماس وأما بحسب البقاء فلا حرمة فيه لعدم كونه مفطراً ؟ أمّا في صوم شهر رمضان فقد استشكل الماتن في صحّته ، وهو كما أفاده ، وذلك لأن الارتماس بحسب البقاء وإن لم يكن مفطراً إلاّ أن الإتيان بالمفطر محرم في شهر رمضان ولو بعد إبطال الصوم أو الإفطار ، فإذا أفطر بالأكل أو بغيره فيحرم عليه الأكل أو غيره ثانياً وثالثاً في نفسه لا بعنوان أنه مفطر ، ومع حرمته ومبغوضيته لا يقع مصداقاً للواجب . وأمّا في غير صوم شهر رمضان فأيضاً استشكل فيه الماتن من جهة أن الارتماس من أوّله وهو غمس بدنه في الماء وإحاطته إلى آخره وهو خروجه من الماء شيء واحد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 230 / أبواب الجنابة ب 26 ح 5 ، 12 .
ــ[426]ــ
وموجود بوجود فارد ، والمفروض أن هذا الوجود الواحد محكوم بحرمته وهو مبغوض ، ومع مبغوضيته وحرمته كيف يقع مصداقاً للواجب ومقرّباً إلى الله ، وإن كان ذلك الوجود أمراً مستمرّاً ؟ هذا .
ولا يخفى أن الارتماس وإن كان له وجـود واحد مسـتمر إلاّ أنه بما أنه ارتماس وتغطية غير محرم في الصوم وإنما حرم فيه لأنه مفطر ، ومن هنا لو ارتمس غافلاً أو ناسياً أو لا باختياره صحّ صومه ، فليس الصوم مشروطاً بعدم الارتماس وإنما هو مشروط بعدم المفطر . نعم الارتماس بما أنه ارتماس وتغطية محرم في الإحرام وأما في الصوم فلا . وإذا كان الأمر كذلك فلا إشكال في أن المفطر إنما هو حدوث ذلك الوجود الواحد المستمر وأمّا بعده وهو تحت الماء فهو ليس بمفطر ، إذ لا صوم ليكون بقاء الارتماس مفطراً له . ولا مانع من أن يكون شيء واحد محكوماً بحكم بحدوثه وبحكم آخر بحسب البقاء ، وهذا كما في السجدة ، لأنّ الواجب منها هو ما كان بقدر الذكر وأمّا الزائد عليه أي إبقاء السجدة فهو أمر مستحب أي إطالتها .
وحيث إنّ الصوم صوم غير رمضان فلا دليل على حرمته ثانياً وثالثاً فلا محالة يكون الارتماس بحسب البقاء غير مفطر ولا محرّم كما عرفت ، فلا مانع من أن ينوي به الغسل فانّه يقع صحيحاً حينئذ ، وهذا بخلاف صوم رمضان فانّ الارتماس بحسب البقاء أيضاً محرم فيه ثانياً وثالثاً وإن لم يكن مفطراً ، اللّهمّ إلاّ أن يندم وهو تحت الماء ويتوب ، فانّ التوبة تجعل الذنب كالعدم فكأنه تحت الماء لم يرتكب الارتماس على وجه حرام ، وحينئذ لا مانع من أن ينوي الغسل عند الخروج وبه يحكم بصحّة غسله لا محالة . إلاّ أن ما ذكرناه في المقام يبتني على القول بكفاية الغسل والارتماس بقاء وهو ممّا لا نلتزم به كما مرّ .
هذا تمام كلامنا في هذا الجزء من الكتاب
ويليه إن شاء الله تعـالى الجزء السـادس وأوّله
فصل في مستحبّات غسل الجنابة . ولله الحمد أوّلاً وآخرا
|