ما استدلّوا به على جواز البقاء على الجنابة
ثمّ إنهم استدلوا على جواز البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر في شهر رمضان بقوله عزّ من قائل : (اُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ
ــ[296]ــ
لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أ نَّكُم كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم فَالئنَ بشِرُوهنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ا لْخَيْطُ الأبْيضُ مِنَ ا لْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ ا لْفَجْرِ... ) (1) وذلك بموردين منها :
أحدهما : (اُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ ) بدعوى أن إطلاق حل الرفث ليلة الصيام يشمل الجزء الأخير منها أيضاً ، فإذا جاز الرفث في ذلك الجزء الأخير فلا يحرم البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر لا محالة ولا تكون الطّهارة في طلوع الفجر شرطاً في صحّة الصيام .
وفيه : أن حل الرفث في ليلة الصيام إنما هو في قبال حرمته في الشرائع السابقة ومن هنا خصّت الحليّة بتلك الاُمّة حيث قال : (اُحِلَّ لَكُمْ ) فلا نظر للآية المباركة إلاّ إلى الترخيص في الرفث في قبال المنع ، وأما الترخيص إلى الجزء الأخير وأن البقاء على الجنابة جائز أو غير جائز فلا نظر في الآية إليه وليست بصدد بيانه فلا إطلاق لها من هذه الجهة .
ثانيهما : قوله : (فَالئنَ بشِرُوهُنَّ ) بدعوى أن جواز المباشرة مغيى بطلوع الفجر وثابت إلى الجزء الأخير من اللّيل ومعه لا معنى لحرمة البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر . ويدفعه : أن قوله : (فَالئنَ بشِرُوهُنَّ ) كحلية الرفث إنما هو بصدد إثبات الجواز فقط ، وليس قوله : (حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ا لْخَيْطُ... ) غاية له وإنما هو غاية لجواز الأكل والشرب ، لانفصال قوله : (فَالئنَ بشِرُوهُنَّ ) عن قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا )بجملة (وابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ) .
والغرض من التعرّض للاستدلال بالآية المباركة أن لا يتوهم أن الطائفتين من الأخبار بعد تساقطهما بالتعارض يرجع إلى إطلاق الآية المباركة ، لما عرفت من أنها ليست مطلقة ، هذا كله في المسألة الاُولى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة 2 : 187 .
|