ــ[260]ــ
في القُبُل أو الدُّ بُر (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل سيّان في المسألة قبل المرأة ودبرها ؟
(1) المسألة ذات قولين : أحدهما : عدم الفرق في وجوب الغسل بين الإدخال في قبل المرأة ودبرها ، وهذا هو المشهور بينهم بل ادعى بعضهم الإجماع عليه . وثانيهما : عدم وجوبه بالوطء في دبر المرأة كما ذهب إليه بعضهم ومال إليه صاحب الحدائق (قدس سره) واستدل على كلا القولين بالأخبار (1) . إلاّ أن أكثرها في كلا الجانبين ضعاف لضعف أسنادها ، مضافاً إلى ضعف الدلالة في بعضها .
منها : مرسلة حفص بن سوقة عمن أخبره ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي أهله من خلفها ، قال : هو أحد المأتيين فيه الغسل» (2) وقد استدلّ بها على المشهور ، إلاّ أنها ضعيفة سنداً لإرسالها ، مضافاً إلى إمكان المناقشة في دلالتها ، حيث يحتمل أن يراد من إتيان أهله من خلفها أنه يولج في قبلها من خلفها كبقيّة الحيوانات حيث يأتون من الخلف لا أنه يدخل في دبرها ، ويرشد إلى ذلك قوله : «يأتي أهله من خلفها» ولم يقل يأتي خلف أهله . وبين العبارتين فرق واضح فكأن المدخل واحد وله طريقان فقد يؤتى من الخلف واُخرى من القدّام .
ومنها : مرفوعة البرقي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزلا فلا غسل عليهما ، وإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها» (3) استدلّ بها على القول الثاني ، ودلالتها ظاهرة إلاّ أنها ضعيفة بحسب السند لمكان رفعها ، وإن عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة باعتبار صحّة سندها إلى البرقي .
ومنها : مرسلة أحمد بن محمّد عن بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام) : «في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة ، قال : لا ينقض صومها وليس
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 3 : 9 .
(2) الوسائل 2 : 200 / أبواب الجنابة ب 12 ح 1 .
(3) الوسائل 2 : 200 / أبواب الجنابة ب 12 ح 2 .
ــ[261]ــ
عليها غسل» (1) وهي أيضاً ضعيفة بارسالها .
ومنها : صحيحة الحلبي ، قال : «سُئل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها الغسل إذا أنزل هو ولم تنزل هي ؟ قال (عليه السلام) : ليس عليها غسل ، وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل» (2) وهذه الرواية وإن كانت صحيحة بحسب السند إلاّ أن دلالتها مورد للمناقشة :
أمّا أوّلاً : فلأن ظاهر كلمة «ما دون الفرج» هو ما كان تحت الفرج وليس ما تحته إلاّ الفخذان ، ومعنى أنه يصيبها أي أنه يفخّذ فحسب ، وعليه فالصحيحة خارجة عمّا نحن فيه أعني الوطء في دبر المرأة .
وأمّا ثانياً : فلأنا لو سلمنا أن المراد بما دون الفرج ما سوى الفرج لا أنه بمعنى ما هو تحته وأسفله ـ كما قد يستعمل بهذا المعنى أي بمعنى عدا وسوى ـ أيضاً لا يمكننا الاستدلال بها من جهة أن للفرج إطلاقات ، فقد يطلق ويراد منه خصوص القبل في مقابل الدبر ، وقد يطلق ويراد منه الأعم من القبل والدبر والذكر كما قد استعمل بهذا المعنى الأخير أعني الآلة الرجولية في قوله تعالى : (وَا لَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إلاّ عَلى أَزْوجِهِمْ )(3) .
والاستدلال بالصحيحة إنما يتمّ إذا أحرزنا أن الفرج فيها قد استعمل بالمعنى الأوّل ، وأما إذا كان المراد به هو المعنى الثاني فلا محالة يتعين في التفخيذ أيضاً ، لأنه الذي سوى الاُمور المذكورة ، وحيث إنا لم نحرز أن المراد منه أي المعنيين فلا محالة تسقط الصحيحة عن قابلية الاعتماد عليها في المسألة .
والأخبار المستدلّ بها على وجوب الاغتسال بالوطء في دبر المرأة من غير إنزال كالأخبار المستدلّ بها على عدم وجوبه ضعيفة السند أو الدلالة ، كما أن الإجماع المدعى في المسألة غير قابل للاعتماد عليه ، لأنه من الإجماع المنقول ولا اعتبار به .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 200 / أبواب الجنابة ب 12 ح 3 .
(2) الوسائل 2 : 199 / أبواب الجنابة ب 11 ح 1 .
(3) المؤمنون 23 : 5 ، 6 .
ــ[262]ــ
فالصحيح أن نستدل على وجوب الغسل بوطء المرأة في دبرها بإطلاق الكتاب والسنّة . أما الكتاب فلقوله تعالى : (أَوْ لمَسْتُمُ النِّساءَ فَلَم تَجِدُوا ماءً ) إلخ(1) لأنّ الملامسة كما تصدق بوطئها في قبلها كذلك تصدق بوطئها في دبرها .
وأمّا ما ورد في تفسير الملامسة بالمواقعة في فرج المرأة أعني صحيحة أبي مريم الأنصاري ، قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول في الرجل يتوضأ ثمّ يدعو جاريته فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد ؟ فإنّ من عندنا ـ يعني السنّة ـ يزعمون أ نّها الملامسة ، فقال : لا والله ما بذلك بأس وربّما فعلته وما يعني بهذا ـ أو لامستم النساء ـ إلاّ المواقعة في الفرج» (2) حيث استدلّ بها على أن سبب الجنابة ووجوب الغسل منحصر بالمواقعة في فرج المرأة فلا يكون وطؤها في دبرها موجباً وسبباً للجنابة . ففيه أن الصحيحة لا دلالة لها على عدم وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة ، وذلك لأن الفرج لم يثبت في لغة العرب أنه بمعنى القبل ، بل الصحيح أنه يستعمل في المعنى الجامع بين القبل والدبر ، بل بينهما وبين الذكر كما في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهُمْ حافِظُونَ إلاّ عَلى أَزْوجِهِم )(3) لأنه بمعنى الذكر فقط هذا .
بل قد ورد في بعض الروايات بمعنى خصوص الدبر كما في موثقة سماعة ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يمس ذكره أو فرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلّي يعيد وضوءه ؟ فقال : لا بأس بذلك ، إنما هو من جسده» (4) فإن الفرج فيها بمعنى الدبر ، إذ لا قبل للرجل ، والذكر مذكور بنفسه كما هو واضح . وعليه فلفظة الفرج إما أنها بالمعنى الأعم من القبل والدبر أو لا أقل من إجمالها ومعه لا يمكن الاعتماد على الرواية في تقييد الآية المباركة . وأما الأخبار فهي كالرواية المشتملة على أن إتيان الزوجة يوجب انتقاض الصيام ، فإن الإتيان كما يشمل الوطء في القبل كذلك يشمل الإتيان في الدبر ، هذا كله في وطء المرأة في دبرها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء 4 : 43 ، المائدة 5 : 6 .
(2) الوسائل 1 : 271 / أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 4 .
(3) المؤمنون 23 : 5 ـ 6 .
(4) الوسائل 1 : 272 / أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 8 .
ــ[263]ــ
حكم وطء الغلام
وأمّا وطء الغلام في دبره فهل يلحقه حكم وطء المرأة فيجب عليه الاغتسال ؟ ذهب المشهور إلى ذلك ، بل عن المرتضى دعوى الإجماع على عدم الفرق في وجوب الغسل بالوطء بين وطء المرأة والغلام(1) . وخالفهم في تلك المحقق في المعتبر حيث ذهب فيه إلى العدم(2) ومال إليه في شرائعه وتردّد(3) .
واستدلّ على وجوب الغسل بوطء الغلام بالإجماع تارة ، واُخرى بالروايتين المتقدّمتين الواردتين في ملازمة وجوب الحد مع وجوب الغسل(4) ، وحيث إنّ وطء الغلام موجب الحد فلا محالة يكون موجباً للاغتسال . وثالثة باطلاق الأخبار الواردة في أنّ الغسل يجب مع الإدخال أو الإيلاج ونحوهما (5) ، لأنّ الإدخال يصدق على الإدخال في دبر الغلام أيضاً . ورابعة بحسنة الحضرمي أو صحيحه المروية عن الكافي عن الصادق (عليه السلام) : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : من جامع غلاماً جاء جنباً يوم القيامة لا يُنقيه ماء الدنيا»(6) نظراً إلى دلالتها على أن الجنابة كما تتحقق بوطء المرأة كذلك تتحقق بوطء الغلام ، بل الجنابة الحاصلة بوطئه أقوى وآكد من غيرها ، حيث إنها لا ترتفع بماء الدنيا وإنما ترتفع بنار الجحيم أو ماء الحميم .
ولا يمكن المساعدة على شيء من هذه الوجوه . أما الإجماع فلأنه من المنقول ولا اعتبار عندنا بالإجماعات المنقولة ، ولا سيما إجماعات السيِّد المرتضى (قدس سره) .
وأمّا الاستدلال بالروايتين الواردتين في وجوب الغسل عند وجوب الحد فلما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما حكاه عنه في المختلف 1 : 166 .
(2) المعتبر 1 : 181 .
(3) الشرائع 1 : 26 .
(4) تقدّم ذكرهما في ص 257 ـ 258 .
(5) الوسائل 2 :182 / أبواب الجنابة ب 6 ، 7 .
(6) الوسائل 20 : 329 / أبواب النكاح المحرّم ب 17 ح 1 . الكافي 5 : 544 / 2 .
ــ[264]ــ
من غير فرق بين الواطئ والموطوء (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسلفنا من أنهما غير ناظرتين إلى أن الحد إذا وجب وجب معه الغسل ، كيف فإن الحد له أسباب كثيرة لا يجب معها الغسل في غير الزنا أو اللواط على الكلام ، وإلاّ فقذف المرأة يوجب الحد ولا يوجب الغسل وكذلك غيره من الأسباب الموجبة للحد ، بل نظرهما إلى أنّ موضوع وجوب الغسل ووجوب الحد في خصوص وطء المرأة أمر واحد ، فهما متلازمان في وطء المراة لا مطلقاً فلا يمكن الاستدلال على وجوبه بوجوب مطلق الحد كما لا يخفى .
وأمّا الاستدلال بالمطلقات الدالّة على أن الغسل إنما يجب مع الإدخال والإيلاج ففيه : أن تلك الأخبار إنما وردت لبيان الكميّة أو الكيفية الموجبة للجنابة ، وقد دلّت على أنها تتحقق بمطلق الإدخال دون التفخيذ وغيره ، وأما أن متعلق الإدخال أي شيء مرأة أو غلام فهي غير ناظرة إليه حتى يتمسك باطلاقها .
وأمّا رواية الكافي فهي أيضاً كسابقتها ، لأن الجنابة التي لا ترتفع بالاغتسال بماء الدنيا خارجة عن الجنابة المصطلح عليها التي رتبت عليها أحكام من وجوب الغسل وحرمة المكث في المساجد ونحوهما ، فهي جنابة واقعية وأمر مغاير مع الجنابة المصطلح عليها ، للقطع بأن واطئ الغلام إذا اغتسل لصحت منه الصلاة وغيرها مما يشترط فيه الطّهارة من الحدث ، فلا دلالة للرواية على أن الجنابة المصطلح عليها تتحقق في حق واطئ الغلام . فالإنصاف أنه لا دليل على وجوب الغسل عند وطء الغلام ، ومن هنا ذهب المحقق إلى نفيه في المعتبر ، ومعه لا مناص من الاحتياط والجمع بين المحتملات ، مثلاً إذا كان متطهراً قبل وطء الغلام فوطئه فيكتفي بالاغتسال ، وأما إذا كان محدثاً قبله فبعد الوطء يجمع بين الوضوء والغسل للاحتياط .
(1) وذلك للارتكاز العرفي ، فإن الجنابة أمر واحد ونسبته إلى الواطئ والموطوء متساوية بحسب الارتكاز .
|